كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
ثُمَّ قَالُوا: وَكُل مَوْضِعٍ قُلْنَا يَضْمَنُ الإِْمَامُ فَهَل يَلْزَمُ عَاقِلَتَهُ أَوْ بَيْتَ الْمَال، رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: بَيْتُ الْمَال، لأَِنَّ خَطَأَهُ يَكْثُرُ، فَلَوْ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَجْحَفَ بِهِمْ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَالثَّانِيَةُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ بِخَطَئِهِ فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (1)
الْخَطَأُ فِي الْقِصَاصِ:
74 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَقَطَعَ الرَّجُل يَدَهُ فَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ الْقَطْعُ، وَهُوَ أَتَى بِالْقَتْل، وَفِي قَوْلِهِمَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْقِصَاصِ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَطْلُوبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ تَعَمُّدًا، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَطْلُوبِ بِالْمِسَاحَةِ، فَإِنْ نَقَصَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ ثَانِيًا لأَِنَّهُ قَدِ اجْتَهَدَ.
وَقَال اللَّخْمِيُّ: إِذَا قَطَعَ الطَّبِيبُ (3) فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَسِيرًا وَوَقَعَ الْقَطْعُ فِيمَا قَارَبَ كَانَ
__________
(1) المغني 9 / 145، 146، 160، وكشاف القناع 6 / 60
(2) البدائع 10 / 4779
(3) المراد: الطبيب المباشر للقصاص.
خَطَأً، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا لاَ يَشُكُّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ. (1)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَأَصَابَ غَيْرَ الْمَوْضِعِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْطَأَ، فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْخَطَأُ فَالْقَوْل قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لأَِنَّ مَا يَدَّعِيهِ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْخَطَأُ لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ وَلاَ يُسْمَعُ فِيهِ يَمِينُهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَحْتَمِل مَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ وَيُقْتَصَّ فَقَدْ قَال فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُ، وَقَال فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ.
وَقَال: وَمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي مُوضِحَةٍ فَاسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَ عَلَيْهِ الأَْرْشُ. (2)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ خَطَأً مِثْل أَنْ يَسْتَحِقَّ قَطْعَ أُصْبُعٍ فَيَقْطَعُ اثْنَتَيْنِ، أَوْ جُرْحًا لاَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، مِثْل أَنْ يَسْتَحِقَّ مُوضِحَةً فَاسْتَوْفَاهَا هَاشِمَةً فَعَلَيْهِ أَرْشُ الزِّيَادَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْجَانِي كَاضْطِرَابِهِ حَال الاِسْتِيفَاءِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لأَِنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ. (3)
__________
(1) شرح الخرشي 8 / 15، 16
(2) المهذب 2 / 187
(3) المغني 8 / 286
الصفحة 174