كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا - كَعَقْدِ الْخَاطِبِ الثَّانِي عَلَى الْمَخْطُوبَةِ، وَكَعَقْدِ الْخَاطِبِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا - يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الْحُرْمَةِ؛ لأَِنَّ الْخِطْبَةَ الْمُحَرَّمَةَ لاَ تُقَارِنُ الْعَقْدَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ؛ وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلاَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِوُقُوعِهَا غَيْرَ صَحِيحَةٍ. (1)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْخَاطِبِ الثَّانِي عَلَى الْمَخْطُوبَةِ يُفْسَخُ حَال خِطْبَةِ الأَْوَّل بِطَلاَقٍ، وُجُوبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْخَاطِبُ الأَْوَّل، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الثَّانِي بِخِطْبَةِ الأَْوَّل، مَا لَمْ يُبَيِّنِ الثَّانِي حَيْثُ اسْتَمَرَّ الرُّكُونُ أَوْ كَانَ الرُّجُوعُ لأَِجْل خِطْبَةِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا لَمْ يُفْسَخْ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الثَّانِي حَاكِمٌ يَرَاهُ وَإِلاَّ لَمْ يُفْسَخْ. (2)
وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ لاَ وَاجِبٌ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِمَنْ صَرَّحَ لاِمْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا بِالْخِطْبَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا يُنْدَبُ لَهُ فِرَاقُهَا. (3)

ثَالِثًا: نَظَرُ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ:
24 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ بَيْنَ
__________
(1) نيل الأوطار 6 / 122، كشاف القناع 5 / 18 - 19
(2) الزرقاني وحاشية البناني 3 / 164 - 165
(3) جواهر الإكليل 1 / 276، والزرقاني 3 / 167
أَهْل الْعِلْمِ خِلاَفًا فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَل. (1)
قَال: فَخَطَبْتُ امْرَأَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. (2)
25 - لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا النَّظَرِ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: يُنْدَبُ النَّظَرُ لِلأَْمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ {أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا أَيْ تَدُومُ الْمَوَدَّةُ وَالأُْلْفَةُ. فَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: خَطَبْتُ امْرَأَةً فَقَال لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: لاَ، قَال: فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا. (3)
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِجَابَتُهُ نَظَرَ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا.
__________
(1) حديث: " إذا خطب أحدكم المرأة " أخرجه أبو داود (2 / 565 - 566 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في الفتح (9 / 181 - ط السلفية) .
(2) المغني 6 / 552 - 553
(3) جواهر الإكليل 1 / 275، روضة الطالبين 7 / 19 - 20، نهاية المحتاج 6 / 183، كشاف القناع 5 / 80، رد المحتار على الدر المختار 2 / 262، 5 / 237، وحديث المغيرة بن شعبة: خطبت امرأة. أخرجه ابن ماجه (1 / 600 - ط الحلبي) وأحمد (4 / 246 - ط الميمنية) واللفظ له، وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (1 / 328 - ط دار الحنان) : " إسناده صحيح ".

الصفحة 197