كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

وَتَشَابَهَتْ، الْتَبَسَتْ فَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَلَمْ تَظْهَرْ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ مِنَ الأُْمُورِ: الْمُشْكِلاَتُ. وَالْخَفَاءُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الاِشْتِبَاهِ إِمَّا لِتَعَدُّدِ الْمَعَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ لِلَّفْظِ، أَوْ لإِِجْمَال اللَّفْظِ وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى الْبَيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (1) .

ب - الْجَهْل وَالْجَهَالَةُ:
3 - الْجَهْل وَالْجَهَالَةُ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ.
قَال الْجُرْجَانِيِّ: الْجَهْل هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى خِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ.
وَخَفَاءُ الشَّيْءِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِمَّا الْجَهْل بِوُجُودِهِ أَصْلاً، كَمَنْ يُنْكِرُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ جَهْلاً مِنْهُ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالإِْسْلاَمِ، وَإِمَّا الْجَهْل بِمَكَانِ الشَّيْءِ، كَمَنْ عَلِمَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، وَخَفِيَ عَلَيْهِ مَكَانُهَا (2) .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَفَاءِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً: عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
4 - يُقَسِّمُ الأُْصُولِيُّونَ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ الْمَعْنَى وَمَرَاتِبِ الْخَفَاءِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الأَْوَّل: الْخَفِيُّ، وَهُوَ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ (أَيِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ) بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ،
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير والتلويح 1 / 127، وكشف الأسرار 1 / 54.
(2) لسان العرب والمصباح المنير والتعريفات للجرجاني، والمجموع 5 / 334، والبدائع 1 / 81.
فَالْخَفَاءُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ، وَلَكِنَّهُ بِسَبَبٍ عَارِضٍ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) فَلَفْظُ السَّارِقِ ظَاهِرٌ فِي كُل سَارِقٍ لَمْ يُعْرَفْ بِاسْمٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَّارِ الَّذِي يَسْرِقُ بِشَقِّ الثَّوْبِ، وَالنَّبَّاشِ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْخَفَاءِ، لاِخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمِ غَيْرِ السَّارِقِ.
وَإِزَالَةُ الْخَفَاءِ تَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ، وَبِالتَّأَمُّل يَظْهَرُ أَنَّ الْخَفَاءَ قَدْ يَكُونُ لِزِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي الطَّرَّارِ، فَإِنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مِنْ حُضُورِ الْمَالِكِ، وَيَقِظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ؛ لأَِنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ عَلَى سَبِيل الْخُفْيَةِ، وَلِذَلِكَ يَأْخُذُ الطَّرَّارُ حُكْمَ السَّارِقِ فَيُقْطَعُ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَقَدْ يَكُونُ الْخَفَاءُ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي النَّبَّاشِ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى، فَفِيهِ شُبْهَةُ نُقْصَانِ الْحِرْزِ، وَعَدَمِ الْحَافِظِ لَهُ، وَلِذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ فَيُقْطَعُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ) ، وَلاَ يُقْطَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
5 - الثَّانِي: الْمُشْكِل: وَهُوَ اسْمٌ لَمَّا يَشْتَبِهُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِدُخُولِهِ فِي إِشْكَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الأَْشْكَال.
وَقَال الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُّوسِيُّ: هُوَ الَّذِي
__________
(1) سورة المائدة / 38.

الصفحة 209