كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} ثُمَّ قَال: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثُمَّ قَال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) ، فَذَكَرَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهَا، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلاَقًا لَكَانَ أَرْبَعًا؛ وَلأَِنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلاَقِ وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ (2) .
وَبِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ (3) .
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْخُلْعَ
__________
(1) سورة البقرة / 229 - 230.
(2) حديث ابن عباس: " أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها ". أخرجه أبو داود (2 / 669 - 670 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (3 / 482 - ط الحلبي) . وقال: " حديث حسن ".
(3) حديث الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي (3 / 482 - ط الحلبي) . وإسناده صحيح.
لَوْ كَانَ طَلاَقًا لَمْ يَقْتَصِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَْمْرِ بِحَيْضَةٍ (1) .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ بِأَنَّهُ لَفْظٌ لاَ يَمْلِكُهُ إِلاَّ الزَّوْجُ فَكَانَ طَلاَقًا، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ كَالإِْقَالَةِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا قَل وَكَثُرَ فَدَل عَلَى أَنَّهُ طَلاَقٌ؛ وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إِيقَاعَهَا هِيَ الطَّلاَقُ دُونَ الْفَسْخِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلاَقًا؛ وَلأَِنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلاَقِ قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلاَقًا كَغَيْرِ الْخُلْعِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاَقِ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمُ: الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ.
وَالْخُلْعُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيُجْعَل لَفْظُ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ فِي الْحَال مَجَازًا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلاَقِ، وَأَمَّا الآْيَةُ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَبِهَذَا لاَ يَصِيرُ الطَّلاَقُ أَرْبَعًا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ خِلاَفٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ رُجُوعُهُ عَنْهُ (2) .
__________
(1) نيل الأوطار 7 / 35، 38 - ط الجيل، تبيين الحقائق 2 / 268 - ط بولاق، تفسير القرطبي 3 / 143 - 144 - ط الثانية، المغني 7 / 57، - ط الرياض.
(2) المبسوط 6 / 171 - 172 - ط السعادة، تبيين الحقائق 2 / 268 - ط بولاق، المغني 7 / 57 - ط الرياض، فتح الباري 4 / 396 - ط الرياض.

الصفحة 238