كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْخُلْعِ طَلاَقًا أَنَّهُ إِنْ نَوَى بِالْخُلْعِ أَكْثَر مِنْ تَطْلِيقَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ يَقَعُ مَا نَوَاهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ نَوَى ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ ثَلاَثٌ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ غَيْرِ زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْخُلْعَ مَعْنَاهُ الْحُرْمَةُ، وَهِيَ لاَ تَحْتَمِل التَّعَدُّدَ لَكِنَّ نِيَّةَ الثَّلاَثِ تَدُل عَلَى تَغْلِيظِ الْحُرْمَةِ فَتُعْتَبَرُ بَيْنُونَةً كُبْرَى.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ فَسْخًا أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ خَالَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى، أَوْ خَالَعَهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى وَإِنْ خَالَعَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ؛ لأَِنَّ الْخُلْعَ عَلَى هَذَا الْقَوْل لاَ يُحْتَسَبُ مِنَ الطَّلْقَاتِ (1) .
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا إِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ الطَّلاَقَ مَعَ تَفْرِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ فَسْخٌ هَل يَقَعُ الطَّلاَقُ أَوْ لاَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (2) .
8 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْخُلْعِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ، أَوْ مِنْهُمَا مَعًا، وَفِي كَوْنِهِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ أَوْ مِنْهُمَا
__________
(1) المبسوط 6 / 172 - ط السعادة، تفسير القرطبي 3 / 143 - ط الثانية، روضة الطالبين 7 / 375 - ط المكتب الإسلامي، المغني 7 / 57 - ط الرياض.
(2) الروضة 7 / 375.
مَعًا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ يَمِينٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ الْخُلْعِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ قَبْل قَبُولِهَا، وَلاَ يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ، وَلاَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ الزَّوْجِ، فَلاَ يَبْطُل بِقِيَامِهِ، وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهَا صِحَّةُ رُجُوعِهَا قَبْل قَبُولِهِ، وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا عِلْمُهَا بِمَعْنَاهُ؛ لأَِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ لِتَوَقُّفِ وُقُوعِ الطَّلاَقِ فِيهِ عَلَى قَبُول الْمَال، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ فَسْخٌ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ لاَ مَدْخَل لِلتَّعْلِيقِ فِيهَا، فَيَكُونُ الْخُلْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَابْتِدَاءِ الْبَيْعِ، وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْل قَبُول الزَّوْجَةِ؛ لأَِنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ كَالْعِوَضِ فِي الصَّدَاقِ، وَالْبَيْعِ إِنْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَدْخُل فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا دَخَل
الصفحة 239