كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

قَال: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ (1) وَلأَِنَّهُ عَبَثٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَيَقَعُ الْخُلْعُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) وَيَحْتَمِل كَلاَمُ أَحْمَدَ تَحْرِيمَهُ وَبُطْلاَنَهُ؛ لأَِنَّهُ قَال الْخُلْعُ مِثْل حَدِيثِ سَهْلَةَ تَكْرَهُ الرَّجُل فَتُعْطِيهِ الْمَهْرَ فَهَذَا الْخُلْعُ (3) وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ يَحِل لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (4) .
الثَّالِثُ: مُحَرَّمٌ: كَمَا إِذَا عَضَل الرَّجُل زَوْجَتَهُ بِأَذَاهُ لَهَا وَمَنْعِهَا حَقَّهَا ظُلْمًا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (5) فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَال بِعِوَضٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ؛ لأَِنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا.
وَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلاَقِ فَعَلَى الْقَوْل
__________
(1) حديث ثوبان: " أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما. . " أخرجه أبو داود (2 / 667 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 200 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واللفظ لأبي داود.
(2) سورة النساء / 4.
(3) الكافي 3 / 141 - 142 - ط المكتب الإسلامي، كشاف القناع 5 / 212 - 213، ط النصر، الإنصاف 8 / 382 - ط التراث، المغني 7 / 51 - 54 - ط الرياض.
(4) سورة البقرة / 229.
(5) سورة النساء / 19.
بِأَنَّهُ طَلاَقٌ فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ، وَإِلاَّ فَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، فَإِنْ أَدَّبَهَا لِتَرْكِهَا فَرْضًا أَوْ نُشُوزِهَا فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ؛ لأَِنَّهُ ضَرَبَهَا بِحَقٍّ، وَإِنْ زَنَتْ فَعَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ جَازَ وَصَحَّ الْخُلْعُ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (1) وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّهْيِ إِبَاحَةٌ. وَإِنْ ضَرَبَهَا ظُلْمًا لِغَيْرِ قَصْدِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ صَحَّ الْخُلْعُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَعْضُلْهَا لِيَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا (2) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخُلْعَ يَحْرُمُ حِيلَةً لإِِسْقَاطِ يَمِينِ طَلاَقٍ، وَلاَ يَصِحُّ وَلاَ يَقَعُ؛ لأَِنَّ الْحِيَل خِدَاعٌ لاَ تُحِل مَا حَرَّمَ اللَّهُ. (3) هَذَا وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ جَوَازِ الْخُلْعِ حَتَّى يَقَعَ الشِّقَاقُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (4) .
وَبِذَلِكَ قَال طَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِبُغْضِ الزَّوْجِ لَهَا فَنُسِبَتِ الْمَخَافَةُ إِلَيْهِمَا لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ
__________
(1) سورة النساء / 19.
(2) الكافي 3 / 143 - ط المكتب الإسلامي، كشاف القناع 5 / 213 - ط النصر، الإنصاف 8 / 383 - 385 - ط التراث، المغني 7 / 54 - 56 - ط الرياض.
(3) كشاف القناع 5 / 231 - ط النصر.
(4) سورة البقرة / 229.

الصفحة 242