كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
وَفِي قَوْلٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَةٌ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَةٌ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً (1) .
وَبِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِهِ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ عِدَّتَهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} (2) . وَلأَِنَّ الْخُلْعَ فُرْقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الدُّخُول فَكَانَتِ الْعِدَّةُ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ كَغَيْرِ الْخُلْعِ (3) .
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُعَوَّضُ وَهُوَ الْبُضْعُ:
24 - يُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَا جَاءَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ، فَأَمَّا الْبَائِنُ بِخُلْعٍ وَغَيْرِهِ فَلاَ يَصِحُّ خُلْعُهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا أَنْ يُصَادِفَ مَحَلًّا، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ بَائِنًا وَقْتَ الْخُلْعِ، فَإِنَّ الْخُلْعَ لاَ يَقَعُ؛
__________
(1) حديث ابن عباس " إن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل. . " تقدم تخريجه (ف / 7) .
(2) سورة البقرة / 228.
(3) فتح القدير 3 / 269 - ط الأميرية، تبيين الحقائق 3 / 26 - ط بولاق، الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 468 - ط الفكر، روضة الطالبين 8 / 365 - ط المكتب الإسلامي، المغني 7 / 449 - 450 - ط الرياض، الإنصاف 9 / 279.
لأَِنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، وَتَسْتَرِدُّ الزَّوْجَةُ الْمَال الَّذِي دَفَعَتْهُ لِلزَّوْجِ، وَيَسْقُطُ عَنْهَا مَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا، أَوْ نَفَقَةِ حَمْلٍ، أَوْ إِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا.
وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ مَعَ الزَّوْجَةِ الَّتِي فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا، حَقِيقَةً، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُفَارِقْ زَوْجَهَا بِطَلاَقٍ بَائِنٍ وَنَحْوِهِ، كَاللِّعَانِ مَثَلاً، أَوْ حُكْمًا، وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلاَقًا رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَةٌ وَالنِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا قَائِمٌ، وَتَسْرِي عَلَيْهَا كَافَّةُ الأَْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالزَّوْجَاتِ، وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ، وَلَوْ قَال الزَّوْجُ: كُل امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ تَدْخُل هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ، إِلاَّ أَنَّ الْخِرَقِيَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ؛ لأَِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ يَدُل عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُغْنِي عَنْهُ (وَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةٌ طَلَّقَ أَمْ ثَلاَثًا؟ فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ لِلتَّحْرِيمِ شَاكٌّ فِي التَّحْلِيل) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى هَذَا، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ كَمَا قَال الْقَاضِي: إِنَّهَا مُبَاحَةٌ.
وَأَمَّا مُخَالَعَةُ الزَّوْجِ لَهَا أَيِ الرَّجْعِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ فَتَصِحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلاَ تَسْتَرِدُّ الْمَال الَّذِي دَفَعَتْهُ لِلزَّوْجِ وَلَزِمَ الزَّوْجَ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلْقَةً أُخْرَى بَائِنَةً، وَتَصِحُّ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَظْهَرِ الأَْقْوَال، وَهُوَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ سِوَى الْخِرَقِيِّ، لأَِنَّهَا زَوْجَةٌ صَحَّ طَلاَقُهَا فَصَحَّ خُلْعُهَا كَمَا قَبْل الطَّلاَقِ.
الصفحة 253