كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
وَيَصِحُّ الْخُلْعُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا بِالْمَجْهُول فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَبِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ مَعْنًى يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْعِوَضَ الْمَجْهُول كَالْوَصِيَّةِ؛ وَلأَِنَّ الْخُلْعَ إِسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنَ الْبُضْعِ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، وَالإِْسْقَاطُ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ وَلِذَلِكَ جَازَ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى رِوَايَةٍ (1) .
وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْخُلْعُ عَلَى مَا فِيهِ غَرَرٌ كَالْمَجْهُول، وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْخُلْعِ بِالْمَجْهُول وَبِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْل أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْخُلْعُ عَلَى مُحَرَّمٍ، أَوْ عَلَى مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، لأَِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلاَ يَجُوزُ عَلَى مَا ذُكِرَ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، فَلَوْ خَالَعَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ فَسَادِ الْعِوَضِ (2) .
__________
(1) المبدع 7 / 233 - ط المكتب الإسلامي.
(2) المهذب 2 / 74 - ط الحلبي، مغني المحتاج 3 / 265 - ط التراث، 7 / 233 - ط المكتب الإسلامي، كشاف القناع 5 / 222 - ط النصر، الكافي 3 / 153 ط المكتب الإسلامي.
الرُّكْنُ الْخَامِسُ: الصِّيغَةُ:
27 - صِيغَةُ الْخُلْعِ هِيَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول.
أَمَّا الإِْيجَابُ وَالْقَبُول فَهُمَا رُكْنَا الْخُلْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ بِعِوَضٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ بَدَأَ الزَّوْجُ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ، كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ عَلَى كَذَا الْقَبُول لَفْظًا مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ النُّطْقُ، وَبِالإِْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ مِنَ الأَْخْرَسِ وَبِالْكِتَابَةِ مِنْهُمَا، وَأَنْ لاَ يَتَخَلَّل بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول كَلاَمٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَوَابُ لإِِشْعَارِهِ بِالإِْعْرَاضِ بِخِلاَفِ الْيَسِيرِ مُطْلَقًا، وَالْكَثِيرِ مِمَّنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الْجَوَابُ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَبُول عَلَى وَفْقِ الإِْيجَابِ، فَلَوِ اخْتَلَفَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ، وَعَكْسُهُ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَتْ بِأَلْفٍ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ، فَلَغْوٌ فِي الْمَسَائِل الثَّلاَثِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَأَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ فِي الإِْثْبَاتِ، كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا، أَوْ أَيْ حِينٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ وَقْتٍ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُول لَفْظًا؛ لأَِنَّ الصِّيغَةَ لاَ تَقْتَضِيهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الإِْعْطَاءُ فَوْرًا فِي الْمَجْلِسِ أَيْ مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ. بِخِلاَفِ مَا لَوِ ابْتَدَأَ (بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ فِي النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ مَتَى لَمْ تُعْطِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ) وَمِثْل ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ
الصفحة 256