كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

الْخَلْوَةُ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ:
14 - الْخَلْوَةُ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ هِيَ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ، أَوْ خَلْوَةُ الاِهْتِدَاءِ كَمَا يُطْلِقُ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ.
وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الَّتِي لاَ يَكُونُ مَعَهَا مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ، لاَ حَقِيقِيٌّ وَلاَ شَرْعِيٌّ وَلاَ طَبَعِيٌّ.
أَمَّا الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ، أَوْ صَغِيرًا لاَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، أَوْ صَغِيرَةً لاَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، أَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ، لأَِنَّ الرَّتْقَ وَالْقَرَنَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْوَطْءِ.
وَتَصِحُّ خَلْوَةُ الزَّوْجِ الْعِنِّينِ أَوِ الْخَصِيِّ؛ لأَِنَّ الْعُنَّةَ وَالْخِصَاءَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْوَطْءِ، فَكَانَتْ خَلْوَتُهُمَا كَخَلْوَةِ غَيْرِهِمَا.
وَتَصِحُّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ السَّحْقُ وَالإِْيلاَدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ تَصِحُّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ لأَِنَّ الْجَبَّ يَمْنَعُ مِنَ الْوَطْءِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَالْقَرَنِ وَالرَّتْقِ.
وَأَمَّا الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ، أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ؛ لأَِنَّ كُل ذَلِكَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ، فَكَانَ مَانِعًا مِنَ الْوَطْءِ شَرْعًا، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَمْنَعَانِ مِنْهُ طَبْعًا أَيْضًا لأَِنَّهُمَا أَذًى، وَالطَّبْعُ السَّلِيمُ يَنْفِرُ مِنَ اسْتِعْمَال الأَْذَى.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَدْ ذَكَرَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ لاَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ نَفْل الصَّوْمِ كَفَرْضِهِ، فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الأَْخِيرَةِ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يُحَرِّمُ الْفِطْرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَصَارَ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ بِشْرٍ أَنَّ صَوْمَ غَيْرِ رَمَضَانَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ لاَ غَيْرُ فَلَمْ يَكُنْ قَوِيًّا فِي مَعْنَى الْمَنْعِ بِخِلاَفِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَأَمَّا الْمَانِعُ الطَّبَعِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ، وَيَسْتَحِي فَيَنْقَبِضُ عَنِ الْوَطْءِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى، يَقْظَانَ أَمْ نَائِمًا، بَالِغًا أَمْ صَبِيًّا بَعْدُ، إِنْ كَانَ عَاقِلاً، رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، أَجْنَبِيَّةً أَوْ مَنْكُوحَتَهُ؛ لأَِنَّ الأَْعْمَى إِنْ كَانَ لاَ يُبْصِرُ فَهُوَ يُحِسُّ، وَالنَّائِمُ يَحْتَمِل أَنْ يَسْتَيْقِظَ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَيَنْقَبِضُ الإِْنْسَانُ عَنِ الْوَطْءِ، مَعَ حُضُورِهِ. وَالصَّبِيُّ الْعَاقِل بِمَنْزِلَةِ الرَّجُل يَحْتَشِمُ الإِْنْسَانُ مِنْهُ كَمَا يَحْتَشِمُ مِنَ الرَّجُل. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلاً فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَهَائِمِ، لاَ يَمْتَنِعُ الإِْنْسَانُ عَنِ الْوَطْءِ لِمَكَانِهِ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَالإِْنْسَانُ يَحْتَشِمُ مِنَ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ، وَيَسْتَحْيِي، وَكَذَا لاَ يَحِل لَهَا النَّظَرُ إِلَيْهِمَا فَيَنْقَبِضَانِ لِمَكَانِهَا.

الصفحة 270