كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

الطَّحَاوِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ بِالْخَلْوَةِ فِي تَقَرُّرِ الْمَهْرِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (1) وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعُ (2) .

ثَانِيًا: أَثَرُهَا فِي الْعِدَّةِ:
19 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، فَلاَ تَجِبُ فِي الْفَاسِدِ إِلاَّ بِالدُّخُول، أَمَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَتَجِبُ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (3) وَلأَِنَّ وُجُوبَهَا بِطَرِيقِ اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الاِسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الدُّخُول لاَ قَبْلَهُ، إِلاَّ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أُقِيمَتْ مُقَامَ الدُّخُول فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يُحْتَاطُ فِي إِيجَابِهِ؛
__________
(1) سورة البقرة / 237.
(2) البدائع 2 / 294، الشرح الصغير 1 / 413 ط الحلبي، والزرقاني 3 / 10، ومغني المحتاج 3 / 225، المغني 6 / 724.
(3) سورة الأحزاب / 49.
وَلأَِنَّ التَّسْلِيمَ بِالْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ قَدْ حَصَل بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فَتَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا تَجِبُ بِالدُّخُول؛ لأَِنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ إِنَّمَا أُقِيمَتْ مُقَامَ الدُّخُول فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدُخُولٍ حَقِيقَةً لِكَوْنِهَا سَبَبًا مُفْضِيًا إِلَيْهِ، فَأُقِيمَتْ مُقَامَهُ احْتِيَاطًا إِقَامَةً لِلسَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ. وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى وَلَوْ نَفَى الزَّوْجَانِ الْوَطْءَ فِيهَا؛ لأَِنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ تَسْقُطُ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ.
وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ بَيْنَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا مَعَ الْمَانِعِ مِنَ الْوَطْءِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ حَقِيقِيًّا كَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ، وَالْفَتْقِ، وَالرَّتْقِ، أَوْ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ، وَالإِْحْرَامِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالظِّهَارِ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ هَاهُنَا عَلَى الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الإِْصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا.
وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْوَطْءِ (1) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (2)
__________
(1) البدائع 3 / 191، الزرقاني 4 / 199، مغني المحتاج 3 / 384، المغني 7 / 451.
(2) سورة الأحزاب / 49.

الصفحة 273