كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ، هِيَ وَقْفٌ وُقِفَتْ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا عَنْوَةً، وَيَقْطَعُهَا الإِْمَامُ أَوْ يُكْرِيهَا لِمَنْ شَاءَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيَنْتَهِي إِقْطَاعُهَا بِمَوْتِ الْمُقْطِعِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى وَقْفِيَّتِهَا، فَلاَ تُبَاعُ، وَلاَ تُرْهَنُ وَلاَ تُورَثُ.
لَكِنْ قَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: قَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ، فَإِنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخُلُوَّاتِ وَالْخَرَاجِ كَالْكِرَاءِ. قَال: وَإِنَّمَا يُلْحَقُ بِهَا إِنْ حَصَل مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الأَْرْضِ أَثَرٌ فِيهَا كَإِصْلاَحٍ: بِإِزَالَةِ شَوْكِهَا، أَوْ حَرْثِهَا، أَوْ نَصْبِ جِسْرٍ عَلَيْهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْحَقُ بِالْبِنَاءِ فِي الأَْوْقَافِ، فَيَكُونُ الأَْثَرُ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الأَْرْضِ خُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيُمْلَكُ. فَكَأَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِذَلِكَ نَظَرُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ يَسْلَمُ الأَْمْرُ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، أَوْ مِنْ دَفْعِ مَغَارِمَ لِلْمُلْتَزِمِ (وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّل الأَْرَاضِيَ مِنَ السُّلْطَانِ مُقَابِل مَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ، وَيَأْخُذُ الْمُلْتَزِمُ الْمَال مِنَ الْفَلاَّحِينَ لِتَمْكِينِهِمْ مِنَ الأَْرْضِ) قَال: فَالَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الأَْزْمَانِ الإِْفْتَاءُ بِالإِْرْثِ؛ وَلأَِنَّهُ أَدْفَعُ لِلنِّزَاعِ وَالْفِتَنِ بَيْنَ الْفَلاَّحِينَ، وَلِلْمُلْتَزِمِ الْخَرَاجُ عَلَى الأَْرْضِ لاَ أَكْثَرَ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ عَزْل الْفَلاَحِ عَنْ أَثَرٍ لَهُ فِي الأَْرْضِ. (1)
__________
(1) فتاوى الشيخ عليش 2 / 245، 246، 247.
الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ الدَّرْدِيرُ إِلَى أَنَّ الْفَتْوَى السَّابِقَ بَيَانُهَا. مَكْذُوبَةٌ عَلَى مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ. (1)
قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: مُرَاعَاةُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ التَّوْرِيثِ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً بَل يَفْعَل السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلاَ تُورَثُ، بَل الْحَقُّ لِمَنْ يُقَرِّرُهُ فِيهَا نَائِبُ السُّلْطَانِ لأَِنَّهَا مُكْتَرَاةٌ، وَالْخَرَاجُ كِرَاؤُهَا وَلاَ حَقَّ لِلْمُكْتَرِي فِي مِثْل هَذَا (2) ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا تَنَازَل مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ مُقَابِل عِوَضٍ مَالِيٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْقَطِ لَهُ، فَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ عُلَيْشٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. (3)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الأَْرْضُ الْمَذْكُورَةُ قُسِمَتْ عَلَى الْغَانِمِينَ ثُمَّ طَلَبَهَا عُمَرُ مِنْهُمْ فَبَذَلُوهَا فَوَقَفَهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَآجَرَهَا لأَِهْلِهَا إِجَارَةً مُؤَبَّدَةً بِالْخَرَاجِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهَا وَقْفًا بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا، وَلَهُمْ إِجَارَتُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً لاَ مُؤَبَّدَةً. (4) وَهَذَا حُكْمُ الأَْرْضِ نَفْسِهَا، أَمَّا الْبِنَاءُ وَالأَْشْجَارُ الَّتِي يُحْدِثُهَا فِي الأَْرْضِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنَ الرَّعَايَا فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَقِفَهُ كَمَا هُوَ
__________
(1) فتاوى الشيخ عليش 2 / 247، والشرح الكبير معه حاشية الدسوقي 2 / 189، وفيه أنها منسوبة إلى الشيخ الخرشي والشيخ عبد الباقي والشيخ يحيى الشادي.
(2) فتاوى عليش 2 / 246.
(3) فتاوى عليش 2 / 248.
(4) شرح المنهج وحاشية الجمل 5 / 203 في كتاب الجهاد فصل في حكم الأسر.
الصفحة 295