كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
الْعَادَةُ تُنَزَّل مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلاَطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَنَّ كُل مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لأَِوْلاَدِهِ الذُّكُورِ دُونَ الإِْنَاثِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ. نَعَمْ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَتَحْتَ يَدِهِ أَرْضٌ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ فَالأَْمْرُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، أَيْ يُقَرِّرُ فِي الأَْرْضِ مَنْ يَشَاءُ، وَلاَ تُورَثُ عَنِ الْمَيِّتِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: نَعَمْ وَارِثُهُ أَوْلَى وَأَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. (1) وَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِالتَّمَسُّكِ بِالأَْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَتَنْتَقِل إِلَيْهِمْ بِوَفَاةِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ، وَلَيْسَ لِلإِْمَامِ نَزْعُهَا مِنْهُمْ مَا دَامُوا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَتَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ فَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَبْذُلُونَهُ. (2) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ تَوَارُثَ هَذَا الْحَقِّ يُسْتَحَقُّ طِبْقًا لأَِنْصِبَةِ الْمِيرَاثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ الْمَوْرُوثُ مَالاً.
وَقْفُ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَال:
28 - نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ قَال: إِنَّ وَقْفَ حَوَانِيتِ الأَْسْوَاقِ يَجُوزُ إِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ
__________
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي 2 / 189.
(2) مطالب أولي النهى 4 / 192، والقواعد لابن رجب القاعدة (87) ، ص 200، وكشاف القناع باب الأرضين المغنومة 3 / 99.
بِأَيْدِي الَّذِينَ بَنَوْهَا بِإِجَارَةٍ لاَ يُخْرِجُهُمُ السُّلْطَانُ عَنْهَا مِنْ قِبَل أَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ تَوَارَثُوهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لاَ يَتَعَرَّضُ لَهُمُ السُّلْطَانُ فِيهَا وَلاَ يُزْعِجُهُمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَمَضَى عَلَيْهَا الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمْ يَتَبَايَعُونَهَا، وَيُؤَجِّرُونَهَا، وَتَجُوزُ فِي وَصَايَاهُمْ، وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا، وَيُعِيدُونَهُ، وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ جَائِزٌ. ا. هـ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَوَجْهُهُ بَقَاءُ التَّأْبِيدِ. (1)
وَإِنْ كَانَ مَا جَعَلَهُ فِي الأَْرْضِ غِرَاسًا فَالْحُكْمُ فِي وَقْفِهَا حُكْمُ الْبِنَاءِ. أَمَّا إِنْ كَانَ مَا عَمِلَهُ فِي الأَْرْضِ مُجَرَّدَ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ أَوِ السَّمَادِ فَلاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ. (2)
وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى كَلاَمٍ لِغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
الْخُلُوُّ فِي الأَْمْلاَكِ الْخَاصَّةِ:
29 - فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ فَأَثْبَتُوهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَقَارَاتِ الأَْوْقَافِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَنَفَوْهُ فِي الأَْمْلاَكِ الْخَاصَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَبَيَّنُوا أَنَّ الْفَرْقَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْمَالِكَ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ إِذَا انْتَهَى عَقْدُ الإِْجَارَةِ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَرْغَبُ فِي تَجْدِيدِ إِيجَارِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأَْوَّل
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار 3 / 391.
(2) رد المحتار 3 / 391.
الصفحة 298