كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

بِنَفْسِ الأَْجْرِ، أَوْ أَقَل، أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ لاَ يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يُرِيدُ أَنْ يَسْكُنَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعَهُ، أَوْ يُعَطِّلَهُ، بِخِلاَفِ الْمَوْقُوفِ الْمُعَدِّ لِلإِْيجَارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إِلاَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، فَإِيجَارُهُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْلَى مِنْ إِيجَارِهِ لأَِجْنَبِيٍّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّظَرِ لِلْوَقْفِ وَلِذِي الْيَدِ. وَلِمَالِكِ الْحَانُوتِ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُسْتَأْجِرَ رَفْعَ جَدَكَةٍ وَإِفْرَاغَ الْمَحَل لِمَالِكِهِ. (1) وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لاَ يَثْبُتَ حَقُّ الْقَرَارِ فِي الأَْمْلاَكِ الْخَاصَّةِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ سَمَّاهُ فِي عَقَارَاتِ الْوَقْفِ خُلُوًّا؛ وَلأَِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِخْرَاجِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ حَجْرُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِتْلاَفُ مَالِهِ. (2) وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَكَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْكَامِ الإِْجَارَةِ (3) فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الإِْجَارَةِ فِي الأَْرْضِ بِنَاءٌ أَوْ أَشْجَارٌ، أَوْ فِي الْحَانُوتِ بِنَاءٌ، يَلْزَمُهُ رَفْعُهُ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الإِْجَارَةِ.
أَمَّا إِنْشَاءُ الْخُلُوِّ قَصْدًا بِتَعَاقُدٍ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمَالِكِ مُقَابِل دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ لِيُمَكِّنَهُ مِنْ وَضْعِ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الأَْرْضِ أَوِ الْحَانُوتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخُلُوُّ، فَقَدْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مِمَّنْ أَفْتَى
__________
(1) تنقيح الفتاوى الحامدية 2 / 200.
(2) الدر المختار 4 / 16.
(3) الفتاوى الخيرية 1 / 173، والموسوعة الفقهية (الإجارة ف90، 92) .
بِلُزُومِ الْخُلُوِّ بِمُقَابَلَةِ دَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا إِلَى الْمَالِكِ الْعَلاَّمَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ وَقَال: فَلاَ يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إِخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلاَ إِجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. (1)
وَسُئِل الْمَهْدِيُّ الْعَبَّاسِيُّ فِي رَجُلٍ لَهُ حَانُوتٌ مُتَخَرِّبٌ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ رَجُلٌ سَنَةً، وَأَذِنَ لَهُ بِالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ فِيهِ لِيَكُونَ مَا عَمَّرَهُ وَبَنَاهُ وَأَنْشَأَهُ خُلُوًّا لَهُ وَمِلْكًا مُسْتَحَقَّ الْبَقَاءِ وَالْقَرَارِ، وَجَعَل عَلَيْهِ أُجْرَةً لِلأَْرْضِ مِقْدَارًا مَعْلُومًا مِنَ الدَّرَاهِمِ مُسَانَهَةً (سَنَوِيًّا) فَهَل إِذَا بَنَى وَعَمَّرَ وَأَنْشَأَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَإِذَا مَاتَ الآْذِنُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أُجْرَةُ الأَْرْضِ فَقَطْ؟ فَأَجَابَ: مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَمْلُوكٌ لِبَانِيهِ يُورَثُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ الأُْجْرَةُ الْمُقَرَّرَةُ عَلَى الأَْرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (2)
ثُمَّ قَرَّرَ أَنَّ الْخُلُوَّ فِي هَذِهِ الْحَال يَجُوزُ بَيْعُهُ لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَعْيَانٍ مَمْلُوكَةٍ لِصَاحِبِهَا مُسْتَحَقٌّ قَرَارُهَا فِي الْمَحَل. (3)
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدْ قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْخُلُوُّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدَكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ، فَإِنَّ الْخُلُوَّ إِذَا صَحَّ فِي الْوَقْفِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 17.
(2) الفتاوى المهدية 5 / 26، ومثله في 5 / 43 وفي 5 / 44.
(3) الفتاوى المهدية 5 / 23، 49، 61.

الصفحة 299