كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

وَرَعْيِ الْخَنَازِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ خِدْمَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَجُوزُ كَالْبَيْعِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ خِدْمَةُ الْكَافِرِ؛ لأَِنَّ الاِسْتِخْدَامَ اسْتِذْلاَلٌ، فَكَانَ إِجَارَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْهُ إِذْلاَلاً لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُذِل نَفْسَهُ بِخِدْمَةِ الْكَافِرِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ إِجَارَةَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جَائِزَةٌ، وَمَكْرُوهَةٌ، وَمَحْظُورَةٌ، وَحَرَامٌ. فَالْجَائِزَةُ - هِيَ - أَنْ يَعْمَل الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ عَمَلاً فِي بَيْتِ نَفْسِهِ، كَالصَّانِعِ الَّذِي يَصْنَعُ لِلنَّاسِ. وَالْمَكْرُوهَةُ: أَنْ يَسْتَبِدَّ الْكَافِرُ بِجَمِيعِ عَمَل الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ مِثْل أَنْ يَكُونَ مُقَارِضًا لَهُ، أَوْ مُسَاقِيًا، وَالْمَحْظُورَةُ: أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِلْكَافِرِ فِي عَمَلٍ يَكُونُ فِيهِ تَحْتَ يَدِهِ كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِجَارَةِ الْمَرْأَةِ لِتُرْضِعَ لَهُ ابْنَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ تُفْسَخُ إِنْ عُثِرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ، وَكَانَ لَهُ الأُْجْرَةُ. وَالْحَرَامُ: أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْهُ فِيمَا لاَ يَحِل مِنْ عَمَل الْخَمْرِ، أَوْ رَعْيِ الْخَنَازِيرِ، فَهَذِهِ تُفْسَخُ قَبْل الْعَمَل، فَإِنْ فَاتَتْ تَصْدُقُ بِالأُْجْرَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ. (1)
__________
(1) البدائع 4 / 189، الخرشي على مختصر خليل 7 / 18 - 19 - 20، جواهر الإكليل 2 / 188، الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 19، مواهب الجليل 5 / 419.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى حُرْمَةِ خِدْمَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ خِدْمَةً مُبَاشِرَةً، كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَقْدِيمِ نَعْلٍ لَهُ، وَإِزَالَةِ قَاذُورَاتِهِ، أَوْ غَيْرَ مُبَاشِرَةٍ كَإِرْسَالِهِ فِي حَوَائِجِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (1)
وَلِصِيَانَةِ الْمُسْلِمِ عَنِ الإِْذْلاَل وَالاِمْتِهَانِ. وَلَكِنْ يَجُوزُ إِعَارَةُ الْمُسْلِمِ أَوْ إِجَارَتُهُ لِلْكَافِرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَفِي إِجَارَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ وَلاَ يُمَكَّنُ مِنَ اسْتِخْدَامِهِ
وَقِيل: بِحُرْمَةِ إِجَارَةِ الْمُسْلِمِ، أَوْ إِعَارَتِهِ لِلْكَافِرِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ إِلَى حُرْمَةِ إِجَارَةِ الْمُسْلِمِ، أَوْ إِعَارَتِهِ لِلْكَافِرِ لأَِجْل الْخِدْمَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} .
وَلأَِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ وَإِذْلاَلَهُ لَهُ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى يَجُوزُ ذَلِكَ قِيل: مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقِيل: بِدُونِهَا. (2)
__________
(1) سورة النساء / 141.
(2) نهاية المحتاج مع حاشيته 5 / 122، تحفة المحتاج 5 / 417، 4 / 231، حاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 456، مغني المحتاج 2 / 265، 4 / 258، المغني لابن قدامة 5 / 554، الإنصاف 6 / 25 و 102، الفروع 4 / 433.

الصفحة 46