كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْخَذْفِ فِي هَذِهِ الأَْحَادِيثِ.
هَل هُوَ بَيَانُ قَدْرِ الْحَصَاةِ، أَوْ هُوَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ، أَوْ هُمَا مَعًا؟
5 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الرَّمْيَ يَصِحُّ بِطَرِيقَةِ الْخَذْفِ لَكِنَّ الأَْصَحَّ وَالأَْيْسَرَ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ بَيْنَ طَرَفَيِ السَّبَّابَةِ وَالإِْبْهَامِ مِنَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَيَرْمِيَ.
وَأَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ الْكَيْفِيَّاتِ التَّالِيَةَ:
أ - أَنْ يَضَعَ الإِْنْسَانُ طَرَفَ إِبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ، وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ الإِْبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ.
ب - أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِل إِبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشَرَةً.
قَال فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ: وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنَ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ عُسْرٌ.
ج - أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَاةَ بِطَرَفَيْ إِبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ الأَْخِيرَةِ: هَذَا هُوَ الأَْصْل وَالأَْصَحُّ وَالأَْيْسَرُ الْمُعْتَادُ، قَالُوا: وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ (أَيِ الَّتِي فِيهَا خَذْفٌ) سِوَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ارْمُوا الْجَمْرَةَ بِمِثْل حَصَى الْخَذْفِ (1) وَهَذَا
__________
(1) حديث: " ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف ". أخرجه أحمد (4 / 343 - ط الميمنية) من حديث سنان بن سنة، وقال الهيثمي: " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات ".
لاَ يَدُل وَلاَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ الْمَطْلُوبَةِ كَيْفِيَّةَ الْخَذْفِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى تَعْيِينِ ضَابِطِ مِقْدَارِ الْحَصَاةِ إِذْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُخْذَفُ بِهِ مَعْلُومًا لَهُمْ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الإِْنْسَانُ، يَعْنِي عِنْدَمَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ أَشَارَ بِصُورَةِ الْخَذْفِ بِيَدِهِ، فَلَيْسَ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ كَوْنِ الرَّمْيِ بِصُورَةِ الْخَذْفِ، لِجَوَازِ كَوْنِهِ يُؤَكِّدُ كَوْنَ الْمَطْلُوبِ حَصَى الْخَذْفِ، كَأَنَّهُ قَال: خُذُوا حَصَى الْخَذْفِ الَّذِي هُوَ هَكَذَا، لِيُشِيرَ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ فِي كَوْنِهِ حَصَى الْخَذْفِ، وَهَذَا لأَِنَّهُ لاَ يُعْقَل فِي خُصُوصِ وَضْعِ الْحَصَاةِ فِي الْيَدِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَجْهُ قُرْبَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ، بَل بِمُجَرَّدِ صِغَرِ الْحَصَاةِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَال: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِ الرَّمْيِ خَذْفًا، عَارَضَهُ كَوْنُهُ وَضْعًا غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ زَحْمَةٍ يُوجِبُ نَفْيَ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ. (1) أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرُوا التَّعْرِيفَ اللُّغَوِيَّ لِلْخَذْفِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا: كَانَتِ الْعَرَبُ تَرْمِي بِالْحَصَى فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالإِْبْهَامِ مِنَ الْيُسْرَى ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى أَوْ تَجْعَلُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْهَا.
ثُمَّ قَال الصَّاوِيُّ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ مَطْلُوبَةً
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 179، وفتح القدير 2 / 383 - 384، والبدائع 2 / 157.
الصفحة 49