كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا رَأَى إِصْرَارَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى التَّقْسِيمِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهِ إِذًا لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ. إِنَّكَ إِنْ قَسَمْتَهَا صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ يُبِيدُونَهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إِلَى الرَّجُل الْوَاحِدِ، أَوِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مَنْ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنَ الإِْسْلاَمِ مَسَدًّا، فَلاَ يَجِدُونَ شَيْئًا، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ (1) فَرَضِيَ عُمَرُ قَوْل مُعَاذٍ، فَوَقَفَ الأَْرْضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَأَصْبَحَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا بِمَا فِيهِمُ الْفُقَرَاءُ وَالأَْغْنِيَاءُ.
ج - عِمَارَةُ الأَْرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَعَدَمُ تَعْطِيلِهَا:
إِنَّ عِمَارَةَ الأَْرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَالاِنْتِفَاعَ بِمَا فِي بَاطِنِهَا مِنْ مَعَادِنَ مَطْلُوبٌ مِنَ النَّاسِ عَامَّةً، وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، فَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الاِسْتِخْلاَفِ الْعَامِّ لِلنَّاسِ فِي الأَْرْضِ {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً} . (2)
وَكَانَ قَصْدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ضَرْبِ الْخَرَاجِ أَنْ تَبْقَى الأَْرْضُ عَامِرَةً بِالزِّرَاعَةِ فَأَهْلُهَا أَقْدَرُ مِنَ الْغَانِمِينَ عَلَى ذَلِكَ لِتَوَفُّرِ الْخِبْرَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَلِذَلِكَ قَال
__________
(1) أبو عبيد: الأموال ص 83 - 84.
(2) سورة البقرة / 30.
فِي أَهْلِهَا: يَكُونُونَ عُمَّارَ الأَْرْضِ فَهُمْ أَعْلَمُ بِهَا وَأَقْوَى عَلَيْهَا ". (1)
وَقَدْ سَلَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ وَصَارَتِ الأَْرْضُ وَالأَْمْوَال الْمَغْنُومَةُ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْعُمَّال مَا يَكْفُونَ عِمَارَةَ الأَْرْضِ وَزِرَاعَتَهَا، دَفَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ نِصْفُ ثَمَرَتِهَا. وَبَقِيَتْ عَلَى ذَلِكَ طِيلَةَ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ (2) .
أَنْوَاعُ الْخَرَاجِ:
قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْخَرَاجَ - بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ - إِلَى أَنْوَاعٍ:
فَقَسَمُوهُ - بِاعْتِبَارِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الأَْرْضِ - إِلَى خَرَاجِ وَظِيفَةٍ، وَمُقَاسَمَةٍ.
وَقَسَمُوهُ - بِاعْتِبَارِ الأَْرْضِ الَّتِي تَخْضَعُ لِلْخَرَاجِ إِلَى خَرَاجٍ عَنْوِيٍّ، وَصُلْحِيٍّ
وَفِيمَا يَلِي هَذِهِ الأَْنْوَاعُ.
1 - خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ:
أ - خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ:
14 - يُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ أَيْضًا خَرَاجَ الْمُقَاطَعَةِ وَخَرَاجَ الْمِسَاحَةِ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ يَنْظُرُ إِلَى مِسَاحَةِ الأَْرْضِ وَنَوْعِ مَا يُزْرَعُ عِنْدَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا.
__________
(1) أبو يوسف: الخراج ص 141.
(2) بتصرف من كتاب الأموال لأبي عبيد ص 79.
الصفحة 58