كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

الذِّمِّيِّ وَلاَ يُفْرَضُ عَلَيْهَا عُشْرٌ، وَلاَ خَرَاجٌ لِفَقْدِ مُوجِبِهِمَا.
فَالْخَرَاجُ يَجِبُ عَلَى الأَْرْضِ الَّتِي خَضَعَتْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْغَلَبَةِ، أَوِ الصُّلْحِ وَلاَ يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَلاَ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهَا إِلَى ذِمِّيٍّ.
وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ مِنَ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّ الْعُشْرَ عِبَادَةٌ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
كَمَا قَاسُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ انْتِقَال الْحَيَوَانَاتِ السَّائِمَةِ إِلَى الذِّمِّيِّ فَكَمَا تَسْقُطُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ بِانْتِقَالِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ، يَسْقُطُ الْعُشْرُ عَنِ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ بِانْتِقَالِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّهَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً، وَيُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْخَرَاجُ لاَ الْعُشْرُ؛ لأَِنَّ الْعُشْرَ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ كَمَا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الْمَعْهُودَةُ، وَلِهَذَا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَإِذَا تَعَذَّرَ إِيجَابُ الْعُشْرِ وَجَبَ الْخَرَاجُ إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ فَرْضِ وَظِيفَةٍ عَلَى الأَْرْضِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَقْتِ صَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً، فَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً بِالشِّرَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لاَ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ إِذَا مَضَتْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا، سَوَاءٌ زَرَعَ أَمْ لَمْ يَزْرَعْ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ خَرَاجِيَّةً وَيُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا، كَمَا فَعَل عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ نَصَارَى تَغْلِبَ. وَلأَِنَّ انْتِقَالَهَا إِلَى الذِّمِّيِّ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ، فَإِذَا تَعَرَّضَ أَهْل الذِّمَّةِ لِذَلِكَ ضُوعِفَ عَلَيْهِمُ الْعُشْرُ كَمَا لَوْ اتَّجَرُوا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِمْ ضُوعِفَتْ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ فَأُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَيُوضَعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى أَنَّهَا تَبْقَى عُشْرِيَّةً، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ سِوَى الْعُشْرِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ كُل أَرْضٍ ابْتَدَأَتْ بِضَرْبِ حَقٍّ عَلَيْهَا لاَ يَتَبَدَّل الْحَقُّ بِتَبَدُّل الْمَالِكِ، كَالْخَرَاجِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَئُونَةُ الأَْرْضِ لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِكِ، حَتَّى يَجِبَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، فَلاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَالِكِ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَوْضِعِ الْمَأْخُوذِ وَمَصْرِفِهِ، فَقِيل: يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ لأَِنَّهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، فَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ، لأَِنَّ مَال الصَّدَقَةِ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَالاً مَأْخُوذًا مِنْ كَافِرٍ، فَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ

الصفحة 63