كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
مِنْ لُزُومِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمُدَّةَ - وَالأَْصْل هُوَ اللُّزُومُ - فَبِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَثْبُتُ مُوجِبُ الْعَقْدِ، وَتَرْكُ صَاحِبِ الْخِيَارِ الْفَسْخَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ رِضًا مِنْهُ بِالْعَقْدِ.
عَلَى ذَلِكَ تَوَارَدَتْ نُصُوصُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْهُمْ (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ قَائِلُونَ بِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ يُنْهِي الْخِيَارَ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمُ اتِّجَاهًا خَاصًّا فِيمَا يُنْتَجُ عَنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْحَال عِنْدَ غَيْرِهِمُ اعْتِبَارَهُ إِمْضَاءً لِلْعَقْدِ مِنْ صَاحِبِ الْخِيَارِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ انْتِهَاءٌ لِلْخِيَارِ وَلَيْسَ إِمْضَاءً لِلْعَقْدِ إِلاَّ حَيْثُ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَالْمَبِيعُ بِيَدِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي (مَثَلاً) كَانَ تَرْكُ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ بِمَثَابَةِ الإِْمْضَاءِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَانْقَضَى الأَْمَدُ - وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ - فَذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْفَسْخِ مِنَ الْبَائِعِ. هَذَا مِنْ حَيْثُ أَدَاؤُهُ إِلَى إِمْضَاءِ الْعَقْدِ. أَمَّا اعْتِبَارُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَسْخًا أَوْ إِجَازَةً فَيُنْظَرُ إِلَى مَنْ يَنْقَضِي زَمَنُ الْخِيَارِ وَالْمَبِيعُ بِيَدِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَمْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْبَائِعِ آنَئِذٍ فَهُوَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ إِمْضَاءٌ، قَال الدُّسُوقِيُّ: " يَلْزَمُ
__________
(1) المغني 3 / 592، والشرح الكبير على المقنع 4 / 69 - 71، ومطالب أولي النهى 3 / 94 - 96، وكشاف القناع 3 / 251 - 254.
الْمَبِيعُ بِالْخِيَارِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ مِنْهُمَا كَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَوْ غَيْرَهُ بِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي كُتُبِهِمْ (1) .
السَّبَبُ الثَّانِي: انْتِهَاءُ الْخِيَارِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ
52 - يَنْقَسِمُ الْفَسْخُ إِلَى صَرِيحٍ وَدَلاَلَةٍ، أَوْ بِنَظْرَةٍ أُخْرَى إِلَى فَسْخٍ قَوْلِيٍّ، وَفَسْخٍ فِعْلِيٍّ، فَالْفَسْخُ الْقَوْلِيُّ أَوِ الصَّرِيحُ يَقَعُ بِمِثْل قَوْلِهِ: فَسَخْتُ الْبَيْعَ، أَوِ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُل هَذَا فَسْخٌ صَرِيحٌ، وَمِنْهُ قَوْل الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ: لاَ أَبِيعُ حَتَّى تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ، مَعَ قَوْل الْمُشْتَرِي لاَ أَفْعَل، وَكَذَلِكَ مِنْهُ عَكْسُ هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يَقُول الْمُشْتَرِي: لاَ أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنَ الثَّمَنِ، عَلَى قَوْل الْبَائِعِ لاَ أَفْعَل. وَكَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْبَائِعِ حُلُول الثَّمَنِ الْمُؤَجَّل، وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيل الثَّمَنِ الْحَال فَكُل هَذَا فَسْخٌ (2) .
وَصُورَةُ الْفَسْخِ دَلاَلَةً - وَيُسَمَّى الْفَسْخَ الْفِعْلِيَّ - (أَوِ الْفَسْخَ بِالْفِعْل كَمَا سَمَّاهُ ابْنُ الْهُمَامِ) :
__________
(1) الخرشي على خليل 4 / 23، الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 95، الحطاب والمواق 4 / 416، الصاوي 2 / 125.
(2) البحر الرائق 6 / 20، المجموع 9 / 202، فتح القدير 5 / 122، الخرشي 5 / 120، كشاف القناع 2 / 51، شرح الروض 2 / 53.
الصفحة 107