كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَاسْتَدَلُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ فَلَمْ يُورَثْ، نَظِيرُ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ إِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ. وَقَالُوا أَيْضًا: خِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ وَصْفًا بِالْمَبِيعِ حَتَّى يُورَثَ بِإِرْثِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ، فَهُوَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِشَخْصِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ فَلاَ يُورَثُ عَنْهُ، لأَِنَّ الإِْرْثَ يَجْرِي فِيمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَالْوَصْفُ الشَّخْصِيُّ لاَ يَقْبَل النَّقْل بِحَالٍ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَحْدَهُمْ إِلَى التَّفْصِيل بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ بِالْخِيَارِ قَبْل مَوْتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ دُونَ أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ فِي الْخِيَارِ، بَطَل الْخِيَارُ وَلَمْ يُورَثْ، أَمَّا إِنْ طَالَبَ بِذَلِكَ قَبْل مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ. فَالأَْصْل أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إِلاَّ بِالْمُطَالَبَةِ مِنَ الْمُشْتَرِطِ (2) .
وَقَدْ صَوَّرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَتَوْرِيثٌ مِنَ الْمُوَرِّثِ لِوَرَثَتِهِ بِإِرَادَاتِهِ، حَيْثُ جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الْعَدِيدَةِ قَوْل الْفَقِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَهْلاَنَ - شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ -: " إِذَا مَاتَ وَوَرِثَ خِيَارَهُ وَرَثَتُهُ، لِشَرْطِهِ لَهُمْ فَأَسْقَطَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ
__________
(1) المجموع 9 / 222، والدسوقي 3 / 102، والقواعد لابن رجب 316، الخرشي 4 / 29، وفتح القدير 5 / 125، والعناية 5 / 125.
(2) المغني 3 / 518، الفروع لابن مفلح مع تصحيح الفروع للمرداوي 4 / 91، ومنتهى الإرادات 1 / 359، وكشاف القناع 4 / 210 و 225، ومطالب أولي النهى 3 / 99.
خِيَارُ الْجَمِيعِ ". (1) وَقَدْ جَاءَتْ تِلْكَ الْعِبَارَةُ إِيضَاحًا وَتَقْيِيدًا لِعِبَارَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ الَّتِي جَاءَتْ مُوهِمَةً أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يُورَثُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ الأَْمْرُ كَذَلِكَ بَل يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْمُوَرِّثِ بِحَقِّ الْخِيَارِ.
وَأَمَّا ابْنُ قُدَامَةَ فَقَال: الْمَذْهَبُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَبْطُل بِمَوْتِهِ، وَيَبْقَى خِيَارُ الآْخَرِ بِحَالِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ طَالَبَ بِالْفَسْخِ قَبْل مَوْتِهِ فِيهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ (2) .
ثَانِيًا: انْتِقَال الْخِيَارِ بِالْجُنُونِ وَحَالاَتِ الْغَيْبُوبَةِ:
55 - سَبَقَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْجُنُونَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي فِقْرَةِ 41
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ - أَوِ الإِْغْمَاءُ - عَلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ، بَل يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَل مَا فِيهِ الأَْحَظُّ مِنَ الْفَسْخِ وَالإِْجَازَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُ خَرَسٌ - وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ - نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ (3) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَابِلَةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ:
__________
(1) الفواكه العديدة، للمنقور 1 / 237.
(2) المقنع لابن قدامة، وحاشيته 2 / 41، والمغني 3 / 494 م 2769، 3 / 503 م 2789، والقواعد لابن رجب 316.
(3) المجموع 9 / 225.
الصفحة 111