كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

لَيْسَ بِفِعْلِهِ، أَمَّا مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل نَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (أَيْ بِصِيغَةِ الْبَتِّ وَالْجَزْمِ) ، فَإِنْ نَكَل - أَيِ الْبَائِعُ - عَنِ الْيَمِينِ، ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَإِنْ حَلَفَ بُرِّئَ (1) .

(الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ) الْجَهْل بِالْعَيْبِ:
17 - فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ، قَال السُّبْكِيُّ: " عِنْدَ الْعِلْمِ لاَ خِيَارَ ". (2)
وَسَوَاءٌ فِي الْعِلْمِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا وَهُوَ عَالِمٌ بِعَيْبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اشْتَرَاهُ جَاهِلاً بِعَيْبِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْخِيَارِ، لأَِنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ دَلاَلَةً، وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لأَِنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ، فَكَانَ الْعِلْمُ عِنْدَهُ كَالْعِلْمِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَكَانَ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي الْخِيَارِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْقَبْضِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَل كَانَ رَاضِيًا بِهِ. قَال ابْنُ الْهُمَامِ: (الْعِلْمُ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوِ الْقَبْضِ مُسْقِطٌ لِلرَّدِّ وَالأَْرْشِ) (3) .
__________
(1) تكملة المجموع 12 / 116.
(2) المرجع نفسه.
(3) البدائع 5 / 276، الهندية 3 / 67، فتح القدير 5 / 81 و 153، ونص ما في الهداية 5 / 153: " والمراد عيب كان = عند البائع لم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض، لأن ذلك رضا به ".
18 - وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ إِنَّمَا هُوَ لِلْعُيُوبِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لاَ تُدْرَكُ بِالنَّظَرِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ بَارِزًا لاَ يَخْفَى عِنْدَ الرُّؤْيَةِ غَالِبًا فَيُعْتَبَرُ الْمُتَعَاقِدُ عَالِمًا بِهِ. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ فَدَل الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَوْضِعِ الْعَيْبِ أَوْ صِفَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحُول دُونَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ الَّذِي تَعَامَى عَنْ إِبْصَارِ الْعَيْبِ الْوَاضِحِ. كَمَا لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ لاَ يُعَايَنُ، فَهُوَ عَلَى الأَْصْل مِنْ قِيَامِ الْخِيَارِ بِشَرَائِطِهِ (1) .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ خَفِيًّا، لَكِنَّ الْمُتَعَاقِدَ صَرَّحَ بِهِ وَذَكَرَهُ عَلَى سَبِيل اشْتِرَاطِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ ظَاهِرٌ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْرًا بَاعَهُ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ يَرْقُدُ فِي الْمِحْرَاثِ أَوْ يَعْصِي فِي الطَّاحُونِ، أَوْ بَاعَ فَرَسًا عَلَى شَرْطِ أَنَّهَا جَمُوحٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذَلِكَ، فَالْبَائِعُ بَرِيءٌ.
وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى خِبْرَةٍ خَاصَّةٍ، وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ بِمَا إِذَا أَقْبَضَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَقَال لِلْبَائِعِ اسْتَنْقِذْهُ فَإِنَّ فِيهِ زَيْفًا، فَقَال: رَضِيتُ بِزَيْفِهِ فَطَلَعَ فِيهِ زَيْفٌ، ذَكَرَ ابْنُ حَجَرِ الْهَيْتَمِيُّ: أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لاَ رَدَّ لَهُ بِهِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ قَائِلاً: وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ الزَّيْفَ
__________
(1) تحفة المحتاج شرح المنهاج لابن حجر الهيثمي 4 / 151.

الصفحة 123