كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
ذكُل عَيْبٍ بِهِ "، أَوْ " مِنْ عَيْبِ كَذَا بِهِ "، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَحْوِهَا لاَ تَتَنَاوَل إِلاَّ مَا كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ، دُونَ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ إِلَى حِينِ التَّسَلُّمِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ صُدُورِ الْبَرَاءَةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ أَوِ الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ اللَّفْظَ الْمُقَيَّدَ بِوَصْفٍ لاَ يَتَنَاوَل غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
ب - إِذَا كَانَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ فِيهِ إِضَافَةٌ لِلْمُسْتَقْبَل، بِأَنْ كَانَتْ صَرِيحَةً بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْل الْقَبْضِ فَلاَ يَصِحُّ هَذَا الاِشْتِرَاطُ، وَالْعَقْدُ مَعَهُ فَاسِدٌ، أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الشَّرْطِ فَلأَِنَّ الإِْبْرَاءَ لاَ يَحْتَمِل الإِْضَافَةَ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ (وَلاَ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ) فَهُوَ - وَإِنْ كَانَ إِسْقَاطًا - فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لاَ يَحْتَمِل الاِرْتِدَادَ بِالرَّدِّ. وَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ، فَلأَِنَّهُ بَيْعٌ أُدْخِل فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَفْسُدُ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْعَيْبِ الْكَائِنِ وَالْحَادِثِ، أَوْ أَفْرَدَ الْحَادِثَ بِالذِّكْرِ، وَالأَْخِيرُ أَوْلَى بِالْفَسَادِ.
ج - إِذَا كَانَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ بِصُورَةِ الإِْطْلاَقِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُرَادِ أَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ أَمْ مِنْهُ وَمِنَ الْحَادِثِ (وَيَسْتَوِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا أَنْ تَجِيءَ عَامَّةً: عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْعُيُوبِ، أَوْ مِنْ كُل عَيْبٍ، أَوْ خَاصَّةً: مِنْ عَيْبِ كَذَا - وَسَمَّاهُ -) فَلأَِئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ رَأْيَانِ فِي الْمُرَادِ بِهَا:
أَحَدُهَا: شُمُول الْبَرَاءَةِ لِمَا هُوَ قَائِمٌ عِنْدَ
الْعَقْدِ، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ إِلَى الْقَبْضِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا (1) .
وَالرَّأْيُ الثَّانِي: اقْتِصَارُ الْبَرَاءَةِ عَلَى الْعُيُوبِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِبِي يُوسُفَ أَيْضًا (2) .
الْعُقُودُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ (3) .
25 - ذَكَرَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ فِي الْعُقُودِ التَّالِيَةِ: الْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ، وَالإِْجَارَةِ، وَالْقِسْمَةِ، وَالصُّلْحِ عَنِ الْمَال، وَبَدَل الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي الْمَهْرِ، وَبَدَل الْخُلْعِ (4) .
1 - أَمَّا ذِكْرُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعًا فَلِمُرَاعَاةِ ظُهُورِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ، فَيُذْكَرُ ثُبُوتُهُ فِي الشِّرَاءِ إِذَا لُوحِظَ كَوْنُ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَإِذَا لُوحِظَ كَوْنُ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الْبَيْعِ، لَكِنَّهُمْ يُصَوِّرُونَهُ غَالِبًا فِي الشِّرَاءِ، وَأَنَّ الْعَيْبَ فِي الْمَبِيعِ لأَِنَّ الْغَالِبَ فِي الثَّمَنِ الاِنْضِبَاطُ فَيَقِل ظُهُورُ
__________
(1) البدائع 5 / 277، ونهاية المحتاج 4 / 38، والشربيني 2 / 53، وشرح المنهج 3 / 132، وتكملة المجموع 12 / 414 - 415.
(2) البدائع 5 / 277، وفتح القدير 5 / 183، ونقله عن الشافعي - وقد عرفنا من كتبهم خلافه -، والمبسوط 13 / 94، والدسوقي 3 / 119 نقلا عن ابن عرفة.
(3) من مراجعة بداية المجتهد 2 / 199، المبسوط 15 / 102.
(4) رد المحتار 4 / 71، نقلا عن جامع الفصولين، وهو فيه 1 / 250 بتطويل.
الصفحة 126