كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
مِنَ الْفَوْرِيَّةِ: الزَّمَنُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الْفَسْخُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. فَلَوْ عَلِمَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ وَلاَ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ (1) . وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ تَعَدُّدِ الرِّوَايَةِ فِيهِ. وَهُوَ رَأْيٌ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُفَادُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ الْمَعِيبَ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى الْعَيْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ كَانَ رِضًا. وَقَال ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ هَذَا الرَّأْيِ: إِنَّهُ غَرِيبٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي (2) .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُبَادَرَةِ الَّتِي يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِتَرْكِهَا، أَنْ يُبَادِرَ عَلَى الْعَادَةِ.
وَلَوْ قَال: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْفَوْرِ يُقْبَل قَوْلُهُ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ.
وَحَيْثُ بَطَل حَقُّ الرَّدِّ بِالتَّقْصِيرِ يَبْطُل حَقُّ الأَْرْشِ أَيْضًا وَلاَ بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ (3)
قَال الْقَاضِي زَكَرِيَّا: هَذَا فِي بَيْعِ الأَْعْيَانِ،
__________
(1) شرح الروضة 2 / 61 و 66، تكملة المجموع 12 / 134، فتح القدير 5 / 178.
(2) فتح القدير 5 / 178، رد المحتار 4 / 90، المغني 4 / 109م 3000، كشاف القناع 3 / 218 ونقل عن الاختيارات: ويجبر المشتري على الرد أو أخذ الأرش لتضرر البائع بالتأخير.
(3) تكملة المجموع 12 / 137 - 139، وذكر أن محل الكلام في المبادرة وما يكون تقصيرًا وما لا، محله كتاب الشفعة، ومغني المحتاج 2 / 56، وشرح المنهج بحاشية الجمل 3 / 141.
بِخِلاَفِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا إِلاَّ بِالرِّضَا - وَلَوْ قَبَضَهُ - لأَِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لاَ يَجِبُ الْفَوْرُ فِي طَلَبِ الأَْرْشِ (1) .
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ بِدَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ ثُمَّ ثَبَتَ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالإِْجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنَ الإِْجْمَاعِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَدُل عَلَيْهِ إِجْمَاعٌ وَلاَ نَصٌّ، فَيَكُونُ عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ تَقْلِيلاً لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيل مَا أَمْكَنَ، وَلأَِنَّ الضَّرَرَ الْمَشْرُوعَ لأَِجْل الْخِيَارِ يَنْدَفِعُ بِالْمُبَادَرَةِ، فَالتَّأْخِيرُ تَقْصِيرٌ، فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ اللُّزُومِ.
وَالدَّلِيل الثَّانِي: الْقِيَاسُ عَلَى حَقِّ الشُّفْعَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا وَكِلاَهُمَا خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لاَ لِلتَّرَوِّي، بَل لِدَفْعِ الضَّرَرِ (2) .
الرَّأْيُ الثَّانِي - أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي:
28 - فَلاَ يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ - عَلَى الْمُعْتَمَدِ - مَا يَدُل عَلَى الرِّضَا.
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُصَحَّحَةِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَصَنِيعُ أَبِي الْخَطَّابِ مِنْهُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ دُونَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى تَعَدُّدِ الرِّوَايَةِ فِيهِ.
__________
(1) شرح المنهج بحاشية الجمل 3 / 139، نهاية المحتاج 4 / 47 - 49.
(2) تكملة المجموع 12 / 135 - 136.
الصفحة 128