كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَلَمْ يُصَوِّرَ الْمَالِكِيَّةُ التَّفَرُّقَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لاِعْتِبَارِهِمْ ذَلِكَ مِنَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (الْمُتَوَسِّطِ) وَحُكْمُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الإِْمْسَاكِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْقَدِيمِ، أَوِ الرَّدِّ وَدَفْعِ أَرْشِ الْحَادِثِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ بِالْحَادِثِ (1) .
35 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ مَانِعٌ مِنَ الرَّدِّ قَطْعًا إِذَا كَانَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَفِي الشَّيْئَيْنِ مِمَّا يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ، أَوْ مِمَّا لاَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، دَفْعًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ. أَمَّا إِذَا كَانَا شَيْئَيْنِ مِمَّا لاَ يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ وَمَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ كَشَيْئَيْنِ عِنْدَهُمْ وَوَجَدَهُمَا مَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ. قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنْ وَجَدَ بِأَحَدِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَدُّ الْمَعِيبِ فَقَطْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ (2) .
وَكَذَلِكَ قَال الشَّافِعِيَّةُ لاَ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَإِنْ زَال الْبَاقِي عَنْ مِلْكِهِ وَانْتَقَل لِلْبَائِعِ، عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالسُّبْكِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، لأَِنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ. وَقَال الْقَاضِي حُسَيْنُ: إِنَّ لَهُ الرَّدَّ إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَا شَيْئَيْنِ تَتَّصِل مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالآْخِرِ. أَمَّا الشَّيْئَانِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ -
__________
(1) الدسوقي 3 / 126، وبقية شروح خليل.
(2) المغني 4 / 121م 3017 و 3018، والفروع وتصحيحه 4 / 111 - 112، وكشاف القناع 3 / 225 - 226.
سَوَاءٌ كَانَا مَعِيبَيْنِ أَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا - فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بَل يَرُدُّهُمَا. وَيُفَرِّقُ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَتَفَرُّدِهَا.
فَإِنْ تَعَدَّدَتِ الصَّفْقَةُ (وَذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ تَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَفْصِيل الثَّمَنِ) فَلَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا فِي الأَْظْهَرِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. أَمَّا إِنْ تَفَرَّدَتْ (بِعَدَمِ تَوَافُرِ شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ تَعَدُّدِهَا) فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَعْضِ (1) .
تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ:
36 - تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ لاَ تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ فِي مَحَل الْعَقْدِ، بَل قَدْ يَنْشَأُ عَنْ تَعَدُّدِ الْعَاقِدِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا شَيْئًا وَاحِدًا وَاطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ دُونَ صَاحِبِهِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَنْفَرِدُ.
وَحُجَّةُ الصَّاحِبَيْنِ أَنَّهُ رَدَّ الْمُشْتَرِي كَمَا اشْتَرَاهُ، فَالرَّدُّ صَالِحٌ فِي النِّصْفِ لأَِنَّهُ مُشْتَرٍ نِصْفَهُ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُوجَدْ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ مَقْبُوضًا لأَِنَّهُ قَبَضَهُ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبٍ زَائِدٍ - وَهُوَ هُنَا عَيْبُ الشَّرِكَةِ - فَلاَ يَصِحُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْبَائِعِ (2) .
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 60، ونهاية المحتاج 4 / 25، وتكملة المجموع 12 / 155، وشرح المنهج للقاضي زكريا بحاشية الجمل 3 / 149.
(2) البدائع 5 / 283 - 284.
الصفحة 133