كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْمُوجِبُ الأَْصْلِيُّ الَّذِي هُوَ الرَّدُّ لِيَحِل مَحَلَّهُ الْمُوجِبُ الْخَلَفِيُّ (نُقْصَانُ الثَّمَنِ) .
وَيَسْتَوِي فِي الْهَلاَكِ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ بِاسْتِهْلاَكِ الْمُشْتَرِي لَهُ عَلَى سَبِيل الاِسْتِعْمَال وَالاِنْتِفَاعِ الْمَشْرُوعِ، لاَ الإِْتْلاَفِ، وَذَلِكَ بِأَكْل الطَّعَامِ أَوْ لُبْسِ الثَّوْبِ حَتَّى يَتَخَرَّقَ، وَفِي هَذَا النَّوْعِ خِلاَفٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَاعْتِبَارُهُ فِي مَوَانِعِ الرَّدِّ دُونَ الأَْرْشِ هُوَ مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ مِنَ الأَْكْل وَاللُّبْسِ حَتَّى انْتَهَى الْمِلْكُ بِهِ. وَلأَِبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَقَدِ انْتَفَى الضَّمَانُ لِمِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا. وَإِنِ اقْتَصَرَ الاِسْتِهْلاَكُ عَلَى بَعْضِهِ، فَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ فِي الأَْكْل وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَل (1) .
وَمِثْل الْهَلاَكِ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ: انْتِهَاءُ الْمِلْكِ عَنِ الشَّيْءِ بِالْمَوْتِ، لأَِنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ الْمِلْكُ لاَ بِفِعْل الْمُشْتَرِي، فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ حُكْمًا وَيَبْقَى لَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ.
وَقَدْ سَوَّى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ هَلاَكِ
__________
(1) البدائع 5 / 283، فتح القدير 5 / 161 - 163، رد المحتار 4 / 82 - 83، تبيين الحقائق 4 / 35، مغني المحتاج 2 / 54، الخرشي 5 / 138، كشاف القناع 2 / 63.
الْمَعِيبِ بِالْعَيْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَهُمَا، فَوَافَقُوهُمْ فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ فِي الْهَلاَكِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الْمُدَلَّسِ، أَمَّا فِيهِ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ (1) . أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالتَّفْرِقَةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِحَسَبِ الْهَلاَكِ بِالْعَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ بَل بِحَسَبِ وُقُوعِ التَّدْلِيسِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ سَيِّئَ النِّيَّةِ وَدَلَّسَ الْعَيْبَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُدَلِّسَ الْبَائِعُ فَرُجُوعُهُ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ فَقَطْ. وَيَرْبِطُ الْمَالِكِيَّةُ مِقْدَارَ الْجَزَاءِ بِأَثَرِ الْعَمَل، فَلاَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْعَيْبُ الْمُدَلَّسُ هُوَ الَّذِي أَوْدَى بِالْمَبِيعِ (2) . وَيُسَمِّي الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِالْفَوْتِ وَيُقَسِّمُونَهُ إِلَى فَوْتٍ حِسِّيٍّ، وَفَوْتٍ حُكْمِيٍّ (3) .
ثَانِيًا - الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ:
46 - هَذَا الْمَانِعُ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُول زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً (بَعْدَ الْقَبْضِ) أَوْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ (مُطْلَقًا، قَبْل الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) فَظُهُورُ الزِّيَادَةِ
__________
(1) البحر الرائق 6 / 39، فتح القدير 5 / 161، مغني المحتاج 2 / 54، المهذب 1 / 291، نهاية المحتاج 4 / 24.
(2) المغني 4 / 135، كشاف القناع 3 / 180 " سواء تعيّب المبيع عند المشتري أو تلف بفعل الله كالمرض، أو بفعل المشتري مما هو مأذون شرعًا ".
(3) الخرشي 4 / 48، الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 124.
الصفحة 139