كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

وَلَكِنْ لَوْ فُسِخَ التَّصَرُّفُ وَرُدَّ إِلَيْهِ الْبَيْعُ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ (مَثَلاً) فَإِنْ كَانَ قَبْل الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي (بِالإِْجْمَاعِ) وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ (بِلاَ خِلاَفٍ) ، وَإِنْ كَانَ قَبُول الْبَائِعِ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (1) .
60 - هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - الَّذِي عَلَيْهِ التَّبْوِيبُ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَنَابِلَةُ - وَقَدِ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ غَيْرِهِمْ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْخِيَارِ: لِلرَّدِّ وَالأَْرْشِ مَعًا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَهُ نُقْصَانُ الثَّمَنِ. وَمُسْتَنَدُهُمْ فِكْرَةُ اسْتِفَادَةِ عِوَضٍ يُسْتَدْرَكُ بِهِ الْعَيْبُ الْفَائِتُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ تَصَرُّفٍ يَحْصُل بِهِ الْيَأْسُ مِنْ عَوْدِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، كَالْوَقْفِ، فَهُوَ مَانِعٌ لِلرَّدِّ، وَبَيْنَ تَصَرُّفٍ يُرْجَى مَعَهُ الْعَوْدُ لِمِلْكِهِ، كَالْبَيْعِ فَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى إِطْلاَقِ الْحُكْمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا - إِذَا تَصَرَّفَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ - فَإِنَّهُ مَانِعٌ لِلرَّدِّ وَنَاقِلٌ إِلَى الْمُوجَبِ
__________
(1) تبيين الحقائق 4 / 35 و 37، فتح القدير 5 / 160، البدائع 5 / 282 و 289 " لو باعه المشتري أو وهبه ثم علم بالعيب لم يرجع بالنقصان؛ لأن امتناع الرد ها هنا من قبل المشتري؛ لأنه بالبيع صار ممسكًا عن الرد؛ لأن المشتري قام مقامه فصار مبطلاً للرد الذي هو الحق فلا يرجع بشيء. وذكر من التصرفات المسقطة للخيار إع
الْخَلَفِيِّ (نُقْصَانِ الثَّمَنِ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَصَرُّفِهِ دَلاَلَةٌ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَى مَنْعِ الرَّدِّ (1) .

إِثْبَاتُ خِيَارِ الْعَيْبِ:
61 - ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالَةٍ مِنْ أَحْوَال خِيَارِ الْعَيْبِ وَجَبَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ بِتِلْكَ الْحَال. فَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ دَعْوَى الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ فَإِمَّا أَنْ يُنْكِرَ وُجُودَ الْعَيْبِ، أَوْ يُنْكِرَ قِدَمَهُ.
فَفِي إِنْكَارِ الْعَيْبِ إِمَّا أَنْ يَسْتَوِيَ فِي إِدْرَاكِهِ جَمِيعُ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ مِنْ أَيِّ النَّاسِ كَانُوا، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِعِلْمِهِ أَهْل صِنَاعَةٍ مَا، فَلاَ بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ أَهْل تِلْكَ الصِّنَاعَةِ، وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ خِلاَفٌ فِيمَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ:
قِيل: لاَ بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ. وَقِيل: لاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَلاَ الْعَدَدُ وَلاَ الإِْسْلاَمُ.
وَكَذَلِكَ الْحَال إِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي الْقِيمَةِ، وَفِي قِدَمِهِ أَوْ حُدُوثِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْ أَجْوِبَةِ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِانْصِيَاعِ أَحْوَالِهَا لأُِصُول الإِْثْبَاتِ الْمَعْرُوفَةِ (2) .
__________
(1) فتح القدير 5 / 159 - 162، والبدائع 5 / 289، وشرح التحفة بحاشية الشرواني 4 / 362، والمقدمات لابن رشد 248، والخرشي 5 / 130، المغني لابن قدامة 4 / 123 - 125م 3032 - 3027.
(2) بداية المجتهد 2 / 183.

الصفحة 147