كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

الْمُعَوَّل عَلَى الْوَصْفِ الأَْخِيرِ وَهُوَ عَدَمُ الْخِبْرَةِ بِالْمُبَايَعَةِ، أَمَّا جَهْل قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَيَقَعُ فِيهِ كُل مَغْبُونٍ، إِذْ لَوْ عَرَفَ الْقِيمَةَ لَمَا رَضِيَ بِالْغَبْنِ إِلاَّ مُضْطَرًّا، أَوْ بَاذِلاً لِقَاءَ رَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ فِي السِّلْعَةِ، وَسَبْقُ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَعْرِيفٌ آخَرُ لِلْمُسْتَرْسِل مِنْ كَلاَمِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ: الَّذِي لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ: الَّذِي لاَ يُمَاكِسُ، وَالْفَارِقُ أَنَّ الأَْوَّل قَلِيل الْخِبْرَةِ بِالْمُجَادَلَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ لِلْوُصُول إِلَى ثَمَنِ الْمِثْل دُونَ غَبْنٍ، أَمَّا الأَْخِيرُ فَهُوَ الَّذِي لاَ يَسْلُكُ طَرِيقَ الْمُمَاكَسَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِتْقَانِهِ لَهَا أَوْ جَهْلِهِ بِهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَأَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ وَالَّذِي لَوْ تَوَقَّفَ لَعَرَفَ، إِذَا اسْتَعْجَل فِي الْحِل فَغُبِنَ، فَلاَ خِيَارَ لَهُ (1) .

خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِل (عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) :
11 - صَرَّحَ خَلِيلٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ. وَأَفَادَ شُرَّاحُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ هُنَاكَ قَوْلاً بِأَنَّهُ يَرُدُّ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا فَالاِتِّفَاقُ عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَعَدَمِ الرَّدِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْغَبْنِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبَيْعِ، فَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ (الْمُسَاوَمَةِ) لاَ قِيَامَ بِالْغَبْنِ (قَال) : " وَلاَ أَعْرِفُ فِي
__________
(1) المغني م2777، 3 / 398، والفروع 4 / 97.
الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلاَفٍ " وَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهِمَ فِي حَمْل مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلاَفِ، عَادَ فَأَشَارَ إِلَى حِكَايَةِ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وُجُوبَ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَجَعَلَهُ مَوْضِعَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا بَيْعُ الاِسْتِنَامَةِ وَالاِسْتِرْسَال. . فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ. . وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا كَانَ عَلَى الاِسْتِرْسَال وَالاِسْتِنَامَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَبْنُ الْمُسْتَرْسِل ظُلْمٌ (1) . هَذَا مَا اسْتَدَل بِهِ ابْنُ رُشْدٍ (2) .

خِيَارُ الْمُسْتَرْسِل (عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) :
12 - الْحَنَابِلَةُ يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِل فَقَطْ، عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهِيَ مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ مَسَائِل
__________
(1) حديث: " غبن المسترسل ظلم ". أخرجه الطبراني في الكبير (8 / 149 - ط وزارة الأوقاف العراقية) من حديث أبي أمامة بلفظ: " غبن المسترسل حرام ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 76 - ط القدسي) وقال: " فيه موسى بن عمير الأعمى، وهو ضعيف ".
(2) لقد أورد الحطاب عبارته وأشار إلى أن المفهوم المخالف لهذا الاستدلال دليل للحالة الأخرى فقال: وما لم يكن فيه ظلم فهو حق لا يجب القيام به (4 / 470) ، المقدمات 2 / 601 - 602، الخرشي 4 / 62، الدسوقي 3 / 140، وقال الحطاب: إذا كان من أهل المعرفة بقيمة ما اشتراه، وإنما وقع في الغبن غلطًا يعتقد أنه غير غالط فلا رد له، أما إذا علم بالقيمة فزاد عليها فهو كالواهب، أو فعل ذلك لغرض فلا مقال له. (الحطاب 4 / 471) .

الصفحة 152