كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
الْكَفِيل، أَمَّا اشْتِرَاطُ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَيْهِ.
وَسَبَبُ اعْتِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ الْوُصُوفِ سَائِغًا أَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ لاَ غَرَرَ فِيهِ، ذَلِكَ أَنَّ الْوَصْفَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَيْعِ، دُونَ الْتِفَاتٍ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي لَهُ، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الْعَقْدِ وَيَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ، فَكَانَ اشْتِرَاطُهُ صَحِيحًا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ (1) .
ثُمَّ إِنَّ الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ، فَهُوَ مُلاَئِمٌ لِلْعَقْدِ (2) .
3 م - وَلَمَّا كَانَ الْمُهِمُّ فِي تَسْوِيغِ اشْتِرَاطِ الصِّفَةِ الأَْثَرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الإِْخْلاَل بِالشَّرْطِ هَل هُوَ الْفَسَادُ - كَمَا هُوَ الْحَال فِي الاِشْتِرَاطِ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ - أَمِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا الرَّدُّ؟
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْثَرَ هُوَ التَّخْيِيرُ، وَلَمْ يَقُولُوا بِفَسَادِ الْعَقْدِ حِينَ تَخَلَّفَ الْوَصْفُ؛ لأَِنَّ تَخَلُّفَهُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَقَعُ فِيهِ الْعَقْدُ عَلَى جِنْسٍ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَبِيعَ جِنْسٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ هُنَا؛ لأَِنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِلاَفِ النَّوْعِ
__________
(1) فتح القدير 5 / 135.
(2) العناية شرح الهداية 5 / 136، والبدائع 5 / 169، والمغني 4 / 139، على أحد وجهين وهو الأولى؛ لأن فيه مقصدًا صحيحًا.
لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الأَْغْرَاضِ، فَلاَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِهِ. وَصَارَ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلاَمَةِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، فَيَكُونُ فِي هَذَا خِيَارُ الْوَصْفِ بِالْقِيَاسِ (1) .
مَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ:
4 - ذَهَبَ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْخِيَارِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ (2) .
وَيَسْتَنِدُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْعَيْبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ بَعْدَ أَنْ حَصَل فِي الْعَقْدِ الاِلْتِزَامُ مِنَ الْبَائِعِ بِهِ، هُوَ فِي مَعْنَى فَوَاتِ وَصْفِ السَّلاَمَةِ فِي الْمَبِيعِ إِذَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ، فَكَمَا يَثْبُتُ فِي الصُّورَةِ الأَْخِيرَةِ خِيَارُ الْعَيْبِ يَثْبُتُ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى خِيَارُ الْوَصْفِ. وَكُلٌّ مِنَ الْخِيَارَيْنِ ثَبَتَ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ فِي الْحِل، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ ثَابِتٌ دَلاَلَةً، كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ، أَمَّا فِي خِيَارِ الْوَصْفِ فَهُوَ ثَابِتٌ نَصًّا (3) .
وَلِهَذَا أَوْرَدَ الشَّافِعِيَّةُ خِيَارَ فَوَاتِ الْوَصْفِ تَالِيًا لِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ مُخْتَلِطًا بِهِ، كَمَا فَعَل الشِّيرَازِيُّ، وَقَدْ عَلَّل حَقَّ الْخِيَارِ فِيهِ بِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنْقَصَ مِمَّا شَرَطَ،
__________
(1) الهداية وشرحها العناية 5 / 136.
(2) البدائع 5 / 169، المهذب وتكملة المجموع 12 / 364، الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 108.
(3) الكاساني: بدائع الصنائع 5 / 273 و 169.
الصفحة 158