كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ، أَيْ قَال لَهُ: اخْتَرْ، لِكَيْ يَنْبَرِمَ الْعَقْدُ، وَذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَتِهِ الأُْخْرَى، أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَايَعَ رَجُلاً فَلَمَّا بَايَعَهُ قَال لَهُ: اخْتَرْ، ثُمَّ قَال: هَكَذَا الْبَيْعُ (1) .
وَهُنَاكَ آثَارٌ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَظَانِّهَا.
وَاسْتَدَلُّوا لَهُ أَيْضًا بِالْمَعْقُول، كَحَاجَةِ النَّاسِ الدَّاعِيَةِ إِلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ بَعْدَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا قَدْ يَبْدُو لَهُ فَيَنْدَمُ، فَبِالْخِيَارِ الثَّابِتِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ (2) .
وَاحْتَجَّ النُّفَاةُ بِدَلاَئِل مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ:
فَمِنَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3) فَهَذِهِ الآْيَةُ أَبَاحَتْ أَكْل الْمَال بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ، مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ التَّفَرُّقِ عَنْ مَكَانِ الْعَقْدِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَوَازُ الأَْكْل فِي
__________
(1) حديث: " خير أعرابيًا بعد البيع ". أخرجه الترمذي (3 / 542 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله. والرواية الأخرى، أخرجها البيهقي (5 / 270 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عباس.
(2) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2 / 126، المجموع 9 / 187.
(3) سورة النساء / 29.
الْمَجْلِسِ قَبْل التَّفَرُّقِ أَوِ التَّخَايُرِ، وَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، إِذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يُبَاحُ لَهُ الأَْكْل، فَكَانَ ظَاهِرُ النَّصِّ حُجَّةً عَلَيْهِمْ (1) .
وقَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (2) فَإِذَا لَمْ يَقَعِ الْعَقْدُ لاَزِمًا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهِ، وَهُوَ مَا تَقْضِي بِهِ الآْيَةُ (3) .
وَاحْتَجُّوا مِنَ السُّنَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ (4) فَدَل عَلَى أَنَّهُ لاَ تَقْيِيدَ بِالتَّفَرُّقِ، فَلَوْ كَانَ قَيْدًا لَذَكَرَهُ، كَمَا ذَكَرَ قَيْدَ الاِسْتِيفَاءِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ.
كَمَا أَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِإِحْدَى رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الَّتِي فِيهَا: فَلاَ يَحِل لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ (5) ، حَيْثُ تَدُل عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لاَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِقَالَةِ (6) .
وَحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ وَفِي
__________
(1) البدائع 5 / 228، فتح القدير 5 / 81، المجموع 9 / 184.
(2) سورة المائدة / 1.
(3) فتح القدير 5 / 81، وبداية المجتهد 2 / 140.
(4) حديث: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 349 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1160 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(5) أخرج هذه الرواية أبو داود (3 / 736 تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عبد الله بن عمرو.
(6) المجموع 9 / 184.
الصفحة 171