كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَحْدَهُ الْمُنْتَفِعُ بِالْخِيَارِ. وَهَذِهِ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ ذَاتُ شَبَهٍ تَامٍّ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ مِمَّا جَعَل بَعْضَهُمْ يُدْخِل بَيْعَ الْوَفَاءِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ، وَهُوَ قَوْل الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنِّي مَتَى رَدَدْتُ إِلَيْكَ الثَّمَنَ فِي مَوْعِدِ كَذَا تَرُدَّ إِلَيَّ الْمَبِيعَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ (خِيَارِ الشَّرْطِ) لِلْبَائِعِ (1) .
مَشْرُوعِيَّتُهُ:
2 - أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، إِلاَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْل. وَقَال بِهِ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَال بِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مُحْتَجًّا بِأَثَرِ عُمَرَ فِيهِ.
وَخَالَفَ فِي هَذَا الْخِيَارِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ، وَزُفَرُ (2) .
وَاسْتَدَل مُثْبِتُو هَذَا الْخِيَارِ بِالْقِيَاسِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَوُجُوهٍ مِنَ الْمَعْقُول.
أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ لاِتِّحَادِ الْعِلَّةِ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ التَّرَوِّي. فَهَاهُنَا
__________
(1) رد المحتار 4 / 49، الفتاوى الهندية نقلاً عن الذخيرة 3 / 39، المعاملات الشرعية ص 125.
(2) البدائع 5 / 175، فتح القدير 5 / 502، الفتاوى الهندية 3 / 39، البحر الرائق 6 / 6، المجموع 9 / 193، المغني 5 / 504، الاختيارات ص 73.
يَتَرَوَّى الْبَائِعُ أَيَحْصُل لَهُ الثَّمَنُ أَمْ لاَ. وَكَذَلِكَ يَتَرَوَّى الْمُشْتَرِي أَيُنَاسِبُهُ الْبَيْعُ أَمْ لاَ، فَيَسْتَرِدُّ مَا نَقَدَ (بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَعَ الْبَائِعِ) (1) .
وَأَمَّا آثَارُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ الأَْخْذُ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَثْبَتَهُ، وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ فِي وَاقِعَةٍ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَاءَ بِالثَّمَنِ مِنَ الْغَدِ فَاخْتَصَمَا إِلَى شُرَيْحٍ فَقَال: أَنْتَ أَخْلَفْتَهُ (2) . وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْقُول بِدَاعِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَالْحَاجَةِ إِلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، لِلتَّرَوِّي مِنَ الْمُشْتَرِي فِي مَعْرِفَةِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْدِ، وَمِنَ الْبَائِعِ لِيَتَأَمَّل هَل يَصِل إِلَيْهِ الثَّمَنُ فِي الْمُدَّةِ تَحَرُّزًا عَنِ الْمُمَاطَلَةِ مِنَ الْعَاقِدِ الآْخَرِ (3) .
وَاسْتَدَل مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْخِيَارَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ، بَل هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، لأَِنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا وَعَلَّقَ فَسْخَهُ عَلَى غَرَرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَقَدَ بَيْعًا مَثَلاً بِشَرْطِ أَنَّهُ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. وَاحْتَجَّ زُفَرُ لِنَفْيِهِ بِقِيَاسٍ آخَرَ هُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ إِقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ، وَاشْتِرَاطُ الإِْقَالَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَكَيْفَ بِاشْتِرَاطِ الْفَاسِدَةِ؟ (4)
__________
(1) فتح القدير 5 / 502 ط 2، البدائع 5 / 175، المغني 3 / 531.
(2) المغني 3 / 531 - 532، المصنف 8 / 58.
(3) فتح القدير 5 / 502.
(4) المغني 5 / 504 ط 4، المجموع 9 / 193، فتح القدير 5 / 502.
الصفحة 182