كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

وَمَا ذَكَرَهُ زُفَرُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ ثُبُوتَ خِيَارِ النَّقْدِ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، فَهُوَ جَائِزٌ بِالاِسْتِحْسَانِ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ التَّعْلِيقِ فِي كِلَيْهِمَا، كُل مَا فِي الأَْمْرِ اخْتِلاَفُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُرُورَ الْمُدَّةِ دُونَ فَسْخٍ أَوْ مُرُورَهَا دُونَ نَقْدٍ. وَلاَ يُمْنَعُ ثُبُوتُهُ بِالْقِيَاسِ (أَوْ بِالدَّلاَلَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُ) أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، فَالْمُرَادُ قِيَاسُهُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَكِلاَهُمَا ثَبَتَا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، أَيْ مُخَالِفَيْنِ لِلأُْصُول الْعَامَّةِ الْقَاضِيَةِ بِلُزُومِ الْعَقْدِ كَأَصْلٍ ثَابِتٍ.

صَاحِبُ الْخِيَارِ:
3 - يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْبَائِعَ بِحَسَبِ الصُّورَةِ الَّتِي اشْتُرِطَ فِيهَا، فَإِذَا ظَهَرَ بِعِبَارَةٍ (عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا نَقَدَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلاَّ فَلاَ بَيْعَ) فَصَاحِبُهُ هُوَ الْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الْفَسْخِ بِعَدَمِ النَّقْدِ. وَأَمَّا إِنْ ظَهَرَ بِعِبَارَةِ (إِنْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ خِلاَل الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ) فَصَاحِبُ الْخِيَارِ هُوَ الْبَائِعُ، وَرَدُّهُ الثَّمَنَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِالْفَسْخِ.
وَفَائِدَةُ الْبَائِعِ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُشْتَرِي لأَِنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي،
أَمْ كَانَ الْبَائِعُ صَاحِبَ الْخِيَارِ، لاِنْتِفَاعِهِ بِحُصُول الْفَسْخِ إِذَا مَطَل الْمُشْتَرِي (1) .

مُدَّةُ خِيَارِ النَّقْدِ:
4 - لَمْ تَتَّفِقَ الآْرَاءُ الْفِقْهِيَّةُ فِي مُدَّتِهِ، بَل اخْتَلَفَتْ، أُسْوَةً بِالْخِلاَفِ الْوَاقِعِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، مَعَ بَعْضِ الْمُغَايَرَةِ نَظَرًا لِثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالنَّصِّ وَثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ بِالاِجْتِهَادِ، وَالآْرَاءُ فِي مُدَّتِهِ هِيَ:
1 - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ: فَلَهُمَا أَنْ يُحَدِّدَا الأَْمَدَ الَّذِي يَرَيَانِ فِيهِ مَصْلَحَتَهُمَا، وَلَوْ زَادَ عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحْدَهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى مُوجِبِ قَوْلِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ.
2 - التَّحْدِيدُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ مَا يُقَارِبُهَا: وَلَيْسَ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَا مُدَّةً زَائِدَةً. فَالتَّحْدِيدُ بِالثَّلاَثِ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ أَبِي يُوسُفَ (وَقَدْ خَالَفَ صَنِيعَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمَا، لِوُرُودِ آثَارٍ فِيهِ بِمَا فَوْقَ الثَّلاَثِ، وَبَقِيَ خِيَارُ النَّقْدِ عَلَى أَصْل الْمَنْعِ) وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا التَّحْدِيدُ بِمَا يُقَارِبُ الثَّلاَثَ عَلَى أَنْ لاَ يُجَاوِزَ الْعِشْرِينَ يَوْمًا فَهُوَ قَوْل مَالِكٍ.
هَذَا، وَإِنِ اشْتُرِطَ مَا يَزِيدُ عَنِ الثَّلاَثِ،
__________
(1) البحر الرائق 6 / 7، فتح القدير 5 / 502، رد المحتار 4 / 49.

الصفحة 183