كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
الْحَرْبِ لِمَنْ دَخَل فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ، لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِغَيْرِهَا، وَلَوْ بِمُسْلِمَةٍ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ فِي الْحَرْبِيَّةِ لاِفْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ، وَتَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِهَا، لأَِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلذُّرِّيَّةِ لِفَسَادٍ عَظِيمٍ، إِذْ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا نَشَأَ فِي دَارِهِمْ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَنْشَأَ عَلَى دِينِهِمْ، وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مِنْهُمْ فَقَدْ تَغْلِبُ عَلَى وَلَدِهَا فَيَتْبَعُهَا عَلَى دِينِهَا (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ يَحِل لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا، لأَِنَّهُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ كَانَ لَهُمْ رَقِيقًا (2)
الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَحُرْمَتِهِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْل الْحَرْبِ، أَوْ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالُوا: إِنَّ النُّصُوصَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا عَامَّةٌ، وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ، وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمٍ
__________
(1) المغني 8 / 455، أسنى المطالب / 161، الخرشي 3 / 226، المبسوط م 5 ج 10 / 96، ورد المحتار 2 / 289.
(2) المغني 8 / 455.
وَغَيْرِهِ (1) . (رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: رِبًا) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْل الْحَرْبِ، وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (2) . لِحَدِيثِ: لاَ رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ (3) وَلأَِنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالاً مُبَاحًا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَدْرٌ، وَلأَِنَّ مَال أَهْل الْحَرْبِ مُبَاحٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَبِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَوْلَى.
وَلأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَاطَرَ قُرَيْشًا قَبْل الْهِجْرَةِ حِينَ أَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (4) وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَتَرَوْنَ أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ؟ قَال: نَعَمْ. فَقَالُوا: هَل لَكَ أَنْ تُخَاطِرَنَا فِي ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اذْهَبْ إِلَيْهِمْ فَزِدْ فِي الْخَطَرِ وَزِدْ فِي الأَْجَل فَفَعَل، وَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسًا فَأَخَذَ
__________
(1) المجموع شرح المهذب 9 / 191، المغني 4 / 45، 8 / 458، المدونة 4 / 271.
(2) شرح فتح القدير 6 / 177.
(3) حديث: " لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 44 - ط المجلس العلمي) : " غريب " يعني أنه لا أصل له. ثم ذكر أن الشافعي قال عن رواية مرفوعة ذكرها مكحول بلفظ: " لا ربا بين أهل الحرب " قال الشافعي: هذا ليس بثابت، ولا حجة
(4) سورة الروم / 1.
الصفحة 208