كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَشِرَائِهِ، وَلِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ، فَقِيل: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَال: لاَ، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ (1) وَلأَِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَنًا أَمْ مُثَمَّنًا - أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَأَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ شَرْعًا ".
وَالأَْصْل فِي حِل مَا يُبَاعُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ لأَِنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ شَرْعًا لاَ يَتَحَقَّقُ بِهِ الرِّضَا، فَيَكُونُ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِل، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} . (2)
وَالْخِنْزِيرُ إِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ إِلاَّ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا، وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ فِي حُكْمِ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إِذَا بِيعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَفَاسِدٌ
__________
(1) حديث: " إن الله تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 424 -. ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1207 -. ط الحلبي) .
(2) سورة النساء / 29.
إِذَا بِيعَ بِعَيْنٍ، عَلَى قَوْلِهِمْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِعَيْنٍ، أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَةِ الْخِنْزِيرِ وَتَرْكِ إِعْزَازِهِ وَفِي شِرَائِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ إِعْزَازٌ لَهُ، لأَِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخِنْزِيرُ، وَلِذَا كَانَ بَيْعُهُ بِهِمَا بَاطِلاً وَيَسْقُطُ التَّقَوُّمُ.
أَمَّا إِذَا بِيعَ بِعَيْنٍ كَالثِّيَابِ، فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ لأَِنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْخِنْزِيرُ يُعْتَبَرُ مَالاً فِي بَعْضِ الأَْحْوَال كَمَا هُوَ عِنْدَ أَهْل الْكِتَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. وَرُجِّحَ اعْتِبَارُ الثَّوْبِ مَبِيعًا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعُقَلاَءِ الَّذِي يَقْضِي بِأَنْ يَكُونَ الإِْعْزَازُ لِلثَّوْبِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ لاَ الْخِنْزِيرُ. فَتَكُونُ تَسْمِيَةُ الْخِنْزِيرِ فِي الْعَقْدِ مُعْتَبَرَةً فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لاَ فِي نَفْسِ الْخِنْزِيرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَتَجِبُ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخِنْزِيرِ (1) .
إِقْرَارُ أَهْل الذِّمَّةِ عَلَى اقْتِنَاءِ الْخِنْزِيرِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 3، البحر الرائق 5 / 270، 277، 279، فتح القدير 5 / 186، 187، 188، والشرح الصغير 3 / 22، 4 / 724، مواهب الجليل 4 / 258، 263، وروضة الطالبين 3 / 348، حاشية القليوبي وعميرة 2 / 158، والمجموع 9 / 230، وكشاف القناع 3 / 152.
الصفحة 36