كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ وَلاَ بِالْقَضَاءِ بِهِ، بَل يَظَل مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، بِحَيْثُ لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ، أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ، عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (1) .
أَمَّا الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ فَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ هُوَ الْجُزْءُ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ.
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِسْتِحْقَاقَ الْجُزْئِيَّ إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ قَبْل الْقَبْضِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ: فَإِذَا اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْل الْقَبْضِ - وَالْمُرَادُ قَبْضُ الْكُل، فَلاَ عِبْرَةَ بِقَبْضِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْبَضْ - فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُل الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، أَمَّا الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ لاَ يُوجِبُ.
وَالْوَجْهُ فِي بُطْلاَنِ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: التَّبَيُّنُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ
__________
(1) أحكام الاستحقاق (الكلي) يرجع إلى فتح القدير والعناية 5 / 304، 305، ورد المحتار 5 / 190 - 208 (ط2 الحلبي) .
الْبَائِعِ، وَلَمَّا لَمْ تُوجَدَ الإِْجَازَةُ مِنَ الْمَالِكِ - وَتَلاَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمُشْتَرِي لِلثَّمَنِ - انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي فَلِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْل التَّمَامِ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ - وَهُوَ لَمْ يَحْصُل - فَكَانَ ظُهُورُ الاِسْتِحْقَاقِ قَبْل الْقَبْضِ مُفَرِّقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْل تَمَامِهَا فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ. (1)
وَإِذَا ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، كَانَ حُكْمُ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مُمَاثِلاً لِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَيَفْتَرِقُ حُكْمُهُ بِحَسَبِ كَوْنِ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّبُ بِالاِسْتِحْقَاقِ أَوْ لاَ.
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا، كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَمِصْرَاعَيِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ يَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْبَاقِي، لأَِنَّ الاِسْتِحْقَاقَ أَوْجَبَ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، هُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ فِي الأَْعْيَانِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدَّارَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْمَكِيلاَتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ، كَصُبْرَةِ قَمْحٍ، أَوْ جُمْلَةِ وَزْنِيٍّ فَإِنَّ
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 288، فتح القدير 5 / 176 - 177، رد المحتار 4 / 90، المبسوط 13 / 102، العناية شرح الهداية 5 / 176 - 177.
الصفحة 61