كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

دُورُ الْعُرْفِ فِي تَحْدِيدِ الرُّؤْيَةِ الْجُزْئِيَّةِ الْكَافِيَةِ:
11 - تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ بِالْبَيَانِ الْمُسْهَبِ بَعْضَ تِلْكَ الأَْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ (الْمُتَفَاوِتَةِ الآْحَادِ) وَخَاصَّةً مَا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَى تَدَاوُلِهِ، فَذَكَرُوا مَا تَكْفِي رُؤْيَتُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا لاِعْتِبَارِ الْخِيَارِ حَاصِلاً عَقِبَ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ الْمُقْتَضِبَةِ، فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ الرِّضَا وَالْفَسْخُ بَعْدَهَا. وَالْخِلاَفُ فِي الرُّؤْيَةِ الْكَافِيَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ قَدْ نَشَأَ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ الْمَكَانِيِّ أَوِ الزَّمَانِيِّ، وَذَلِكَ يُتِيحُ الْمَجَال لِوَسْمِ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ بِهَذَا الْمِيسَمِ، أَيْ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لِلْعُرْفِ فِي مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ لاَ ضَيْرَ فِي الاِنْعِتَاقِ عَنْ تِلْكَ الْقُيُودِ إِذَا كَانَ الْعُرْفُ قَدْ تَغَيَّرَ، أَمَّا فِيمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الاِجْتِزَاءِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ مُسْتَمَدَّةً مِنَ الْعَقْل أَوِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، فَذَلِكَ بَاقٍ لِبَقَاءِ عَوَامِل اعْتِبَارِهِ (1) .

شَرَائِطُ قِيَامِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:

أ - كَوْنُ الْمَحَل الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْنًا:
12 - الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ، لاَ عَلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ مُقَابِل الدَّيْنِ (بِمَعْنَى مَا يُعَيَّنُ بِالْوَصْفِ وَيَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) . قَال ابْنُ الْهُمَامِ: لاَ يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ،
__________
(1) انظر الهداية، وشرحها العناية 5 / 143، وفتح القدير 5 / 143، والفتاوى الهندية 3 / 62.
لأَِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى مِثْلِهَا لاَ عَلَى عَيْنِهَا. حَتَّى لَوْ بَاعَهُ هَذَا الدِّينَارُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، لِصَاحِبِ الدِّينَارِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ. بِخِلاَفِ الأَْوَانِي وَالْحُلِيِّ.
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعَقْدِ لاَ يَتَعَيَّنُ لِلْفَسْخِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ، وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِمِثْلِهِ، فَإِذَا قَبَضَ يَرُدُّهُ هَكَذَا إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنِ الرَّدُّ مُفِيدًا، لأَِنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ، وَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لاَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ. (1)
وَكَذَلِكَ لاَ حَاجَةَ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي غَيْرِ الأَْعْيَانِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ تَحْقِيقُ الرِّضَا، وَرِضَاهُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ مَوْكُولٌ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْوَصْفُ حَصَل الرِّضَا وَانْتَفَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ. (2)
فَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَكُونَ مَحَل الْعَقْدِ (الْمَبِيعُ مَثَلاً) مِنَ الأَْعْيَانِ (أَيِ الأَْمْوَال الْعَيْنِيَّةِ) وَهِيَ مَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلاَ يَحِقُّ لِدَافِعِهَا تَبْدِيلُهَا. (3)
__________
(1) فتح القدير 5 / 367، 139، ورد المحتار 4 / 63، والعناية 5 / 140.
(2) فتح القدير 5 / 367.
(3) فتح القدير 5 / 367، البدائع 5 / 392.

الصفحة 68