كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَالأَْمْرُ الثَّانِي: لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ هُوَ مَرْئِيُّهُ السَّابِقُ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَأَنْ رَأَى ثَوْبًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَلْفُوفًا بِسَاتِرٍ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ الَّذِي رَآهُ فَلَهُ الْخِيَارُ. لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا.
وَسَوَاءٌ فِي الرُّؤْيَةِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كُلِّهِ، أَوْ لِنَمُوذَجٍ مِنْهُ، أَوِ الْجُزْءِ الدَّال عَلَى الْكُل.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ أَنْ تَحْصُل مَعَ قَصْدِ الشِّرَاءِ حِينَئِذٍ، فَلَوْ رَآهُ لاَ لِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ.
وَهَذَا الْقَيْدُ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُصَدَّرًا بِلَفْظِ " قِيل " - وَهِيَ صِيغَةُ تَمْرِيضٍ - لَكِنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ قَال عَقِبَهُ: " وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لأَِنَّهُ لاَ يُتَأَمَّل التَّأَمُّل الْمُفِيدَ " ثُمَّ قَال الْحَصْكَفِيُّ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: " وَلِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ " غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرُقْ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَالْمَقْدِسِيِّ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهُ مُنَافٍ لإِِطْلاَقَاتِهِمْ (1) .
وَاعْتِبَارُ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطًا لِقِيَامِ الْخِيَارِ، هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْكَاسَانِيُّ - وَهُوَ شَدِيدُ الْوُضُوحِ فِي ظَاهِرِهِ - لَكِنْ لِلْكَمَال بْنِ الْهُمَامِ عِبَارَةٌ
__________
(1) فتح القدير 4 / 544، ورد المحتار 4 / 69، البدائع 5 / 292.
تُوهِمُ خِلاَفَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي تَحْلِيل لَفْظِ: (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) : الإِْضَافَةُ مِنْ قَبِيل إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى شَرْطِهِ، لأَِنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. فَهُوَ قَدِ اعْتَبَرَ الرُّؤْيَةَ شَرْطًا، وَعِنْدَ الْكَاسَانِيِّ الشَّرْطُ عَكْسُهُ: عَدَمُ الرُّؤْيَةِ. (1)
د - رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ:
15 - أَشَارَ ابْنُ الْهُمَامِ إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ كَمَا رَأَيْنَا، وَمَنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عِدَادِ الشُّرُوطِ اكْتَفَى بِالْبَيَانِ الصَّرِيحِ بِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ هُوَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ. (2) قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الرُّؤْيَةُ بَعْدَ الشِّرَاءِ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ (3) .
مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ:
16 - هُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ لِلْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا بَاعَهُ وَلَمْ يَرَهُ، كَمَنْ وَرِثَ شَيْئًا مِنَ الأَْعْيَانِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ فَبَاعَهُ قَبْل رُؤْيَتِهِ،
__________
(1) فتح القدير 5 / 137، ورد المحتار 4 / 63، والبدائع 5 / 292.
(2) كالكاساني فقد قصر الشرائط على اثنتين: هما الأولى والثانية، ثم استغنى عن الثالثة بالتبويب لها بعنوان (بيان وقت ثبوت الخيار) البدائع 5 / 295.
(3) رد المحتار 4 / 63 و66، وفتح القدير 5 / 137.
الصفحة 70