كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا آخِرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَدْ كَانَ يَقُول أَوَّلاً بِثُبُوتِهِ لِلْبَائِعِ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَال: الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لاَزِمٌ، وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ. وَاسْتَدَلُّوا بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُثْبِتِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ الْخِيَارِ وَلُزُومَ الْعَقْدِ هُوَ الأَْصْل.
وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلطَّرَفَيْنِ، لأَِنَّ كِلَيْهِمَا يُعْتَبَرُ مُشْتَرِيًا. (1)
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْبَائِعِ أَيْضًا، وَهُوَ الْقَوْل الْمَرْجُوعُ عَنْهُ لأَِبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْل الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ عَلَى افْتِرَاضِ الأَْخْذِ بِالْخِيَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ صَحَّحُوا عَدَمَ الأَْخْذِ بِهِ (2) .
الْعُقُودُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ:
17 - يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشِّرَاءُ، لأَِنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ دُونَ الْبَائِعِ وَالْعَقْدُ مِنْ وِجْهَتِهِ شِرَاءٌ.
أَمَّا فِي (عَقْدِ السَّلَمِ) فَإِذَا كَانَ رَأْسُ مَال السَّلَمِ عَيْنًا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ.
وَلاَ يَثْبُتُ فِي رَأْسِ مَال السَّلَمِ إِنْ كَانَ دَيْنًا كَمَا
__________
(1) البدائع 5 / 292، المبسوط 13 / 71، الفتاوى الهندية 3 / 58، وفتح القدير 5 / 140.
(2) فتح القدير 5 / 140، والمجموع 9 / 322، والمغني 3 / 496 م2773.
لاَ يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ بَتَاتًا، لأَِنَّ شَرْطَهُ الأَْسَاسِيَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلاَ مَدْخَل لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. (1)
وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الاِسْتِصْنَاعِ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَتَى بِهِ الصَّانِعُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ لاَزِمٍ فِي حَقِّهِ وَلاَ يَثْبُتُ لِلصَّانِعِ إِذَا أَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعَ وَرَضِيَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْخِيَارُ لَهُمَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لُزُومُهُ فِي حَقِّهِمَا. (2)
أَمَّا الصَّانِعُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَكَذَلِكَ فِي عَقْدِ الإِْجَارَةِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ فِي إِجَارَةِ الأَْعْيَانِ، كَإِجَارَةِ دَارٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ سَيَّارَةٍ بِذَاتِهَا، إِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ عَقَدَ الإِْجَارَةَ دُونَ أَنْ يَرَى الْمَأْجُورَ.
وَفِي عَقْدِ الْقِسْمَةِ يَثْبُتُ فِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ، أَيْ فِي نَوْعَيْنِ فَقَطْ مِنَ الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ لِلْمَال الْمَقْسُومِ، هُمَا قِسْمَةُ الأَْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ جَزْمًا، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ كَالْمَكِيلاَتِ
__________
(1) البدائع 5 / 209 - 210، والبحر الرائق 6 / 26 - 28، جامع الفصولين 1 / 334.
(2) فتح القدير 5 / 139 و 533، البدائع 5 / 210، 292، ورد المحتار 4 / 63، 93.
الصفحة 71