كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مُطْلَقًا:
10 - مُقْتَضَى هَذَا الاِتِّجَاهِ جَوَازُ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى أَيِّ مُدَّةٍ مَهْمَا طَالَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، لَكِنَّهُ قَال: لاَ يُعْجِبُنِي الطَّوِيل. (1)
فَعِنْدَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، لِمَا فِي النُّصُوصِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ مِنَ الإِْطْلاَقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيل، وَلأَِنَّ الْخِيَارَ حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ مِنَ الْعَاقِدِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فِي تَقْدِيرِهِ. أَوْ يُقَال: هُوَ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ فَتَقْدِيرُهَا إِلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
وَهُنَاكَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ تُشْبِهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِّ الأَْدْنَى لِلْمُدَّةِ لَكِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الإِْشَارَةَ إِلَيْهَا، لِمَا فِي بَحْثِهَا مِنْ تَقْيِيدِ الْخِيَارِ بِأَنْ لاَ يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُفْقِدَهُ غَايَتَهُ. تِلْكَ الصُّورَةُ مَا لَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً خَارِجَةً عَنِ الْعَادَةِ " كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَمِائَةِ سَنَةٍ " فَقَدِ اسْتَوْجَهَ صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى أَنْ لاَ يَصِحَّ لإِِفْضَائِهِ - عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ وَنَحْوِهَا -
__________
(1) المجموع 9 / 190، واختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ص16، الأصل للإمام محمد تحقيق شحاتة ص2 و 3، المبسوط 13 / 41، مختصر الطحاوي 75، البحر الرائق 1 / 5، الفتاوى الهندية 3 / 38، المقنع 2 / 35، المغني 3 / 498م 2779، مطالب أولي النهى 3 / 89، الفروع 4 / 83، منتهى الإرادات 1 / 357.
إِلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَهَذَا الْمَنْعُ مُنَافٍ لِلْعَقْدِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إِرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ وَافَقَهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ. (1)

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي حُدُودِ الْمُعْتَادِ:
11 - وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَحْدَهُ. فَيَتَحَدَّدُ أَقْصَى مُدَّةِ الْخِيَارِ الْجَائِزَةِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الْمَبِيعَاتِ، فَلِلْعَاقِدِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَشَاءُ عَلَى أَنْ لاَ يُجَاوِزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ فِي كُل نَوْعٍ. (2)
قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا عُمْدَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِبَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إِمْكَانِ اخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُل مَبِيعٍ. (3)
وَبِمَا أَنَّ لِهَذَا الاِتِّجَاهِ الْفِقْهِيِّ تَقْدِيرَاتٍ مُحَدَّدَةً بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَقَدْ جَرَى تَصْنِيفُهَا لَدَى الْمَالِكِيَّةِ إِلَى زُمَرٍ:
__________
(1) مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى وحاشيته 3 / 89.
(2) الشرح الكبير على خليل وحاشية الدسوقي 3 / 95، والخرشي على خليل، وحاشية العدوي 4 / 19، والحطاب على خليل، 4 / 412، والقوانين الفقهية ص263، ولباب اللباب لابن راشد، وبداية المجتهد لابن رشد 2 / 209.
(3) بداية المجتهد 2 / 210.

الصفحة 83