كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)

ابْنُ حَزْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَضَّل (إِنْ أَخَذْتُ) عَلَى (إِنْ رَضِيتُ) ، إِذْ قَدْ يَرْضَى، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ، وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الرَّأْيَ الأَْوَّل (1) . وَلاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَنْ سَيُشَاوِرُهُ. أَمَّا لَوْ قَال: عَلَى أَنْ أُشَاوِرَ (كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا) ، لَمْ يَكْفِ. قَال الأَْذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ يَكْفِي، وَهُوَ فِي هَذَا شَارِطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ (2) .
وَلَمْ نَعْثُرْ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى نَصٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

النِّيَابَةُ فِي الْخِيَارِ:
27 - الْخِيَارُ يَثْبُتُ لِلْعَاقِدِ الْمُشْتَرِطِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ مَهْمَا كَانَتْ صِفَةُ الْعَاقِدِ، فَسَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمْ وَصِيًّا يَعْقِدُ لِمَصْلَحَةِ الْمُوصَى عَلَيْهِ، أَمْ وَلِيًّا لِمَصْلَحَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، أَمْ كَانَ يَعْقِدُ بِالْوَكَالَةِ.
ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي حَال الْوِلاَيَةِ أَوِ الْوِصَايَةِ هُوَ مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَالرِّعَايَةِ لِلصَّغِيرِ فَذَلِكَ لَهُمَا. وَأَمَّا فِي الْوَكَالَةِ، فَلأَِنَّ تَصَرُّفَهُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّل وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ أَمْرًا مُطْلَقًا فَيَظَل عَلَى إِطْلاَقِهِ، فَيَشْمَل الْعَقْدَ بِخِيَارٍ أَوْ بِدُونِهِ.
وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ أَوِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ، يَمْلِكُ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي مُعَامَلاَتِ الشَّرِكَةِ بِمُقْتَضَى إِطْلاَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ.
__________
(1) المجموع 9 / 212، شرح الروض 2 / 52، المغني 3 / 526 ط4.
(2) شرح الروض 2 / 52.
وَهَذَا شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ الَّذِي يُشَاطِرُهُ التَّعَاقُدَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ (1) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا بِصِحَّتِهِ فِي الْوَكَالَةِ - فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ - إِذَا اشْتَرَطَهُ الْوَكِيل لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، لأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ، كَمَا مَنَعُوا الْوَكِيل بِالْبَيْعِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيل بِالشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ فَعَل الْوَكِيل ذَلِكَ بَطَل الْعَقْدُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَأْذَنَ الْمُوَكِّل فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَتَجَاوَزُ الْخِيَارُ مَنْ شُرِطَ لَهُ فَلاَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّل إِذَا اشْتَرَطَهُ الْوَكِيل لِنَفْسِهِ وَلاَ الْعَكْسُ - وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - لأَِنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً. أَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ، فَشَرْطُ الْوَكِيل كَذَلِكَ بِإِطْلاَقٍ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ لِلْوَكِيل، لأَِنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ (2) وَلاَ يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّل، لأَِنَّ الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ.
وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِي صِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْوَكِيل الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، لاَ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ مَعَ احْتِمَال الْجَوَازِ عِنْدَهُمْ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُول: لِلْوَكِيل
__________
(1) البدائع 5 / 174.
(2) المجموع 9 / 194، ونهاية المحتاج 4 / 15، ومغني المحتاج 2 / 46.

الصفحة 93