كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 20)
ثَانِيًا: أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى انْتِقَال الْمِلْكِ:
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى انْتِقَال الْمِلْكِ بَيْنَ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ كَوْنِهِ لأَِحَدِهِمَا.
أ - كَوْنُ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ:
29 - إِذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَابِتًا لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلاَ تَغْيِيرَ يَحْصُل فِي قَضِيَّةِ الْمِلْكِ لِلْبَدَلَيْنِ، فَمَحَل الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَالثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا. ذَلِكَ مَوْقِفُ الْحَنَفِيَّةِ، يَقُول الْكَاسَانِيُّ: فَلاَ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا، فَلاَ يَزُول الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلاَ يَدْخُل فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا الثَّمَنُ. . . لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الاِنْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ الْخِيَارُ (1) . وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَوْقِفُ الشَّافِعِيَّةِ بِمُلاَحَظَةِ اخْتِيَارِهِمْ وَصْفَ هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ بِانْتِظَارِ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مَا زَال لِلْبَائِعِ، وَإِنْ تَمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَل لِلْمُشْتَرِي مُنْذُ الْعَقْدِ (2) .
وَالْمَذَاهِبُ الأُْخْرَى لاَ تُفْرِدُ هَذِهِ الْحَالَةَ بِالْحُكْمِ، بَل يَنْصَبُّ نَظَرُهَا إِلَى خِيَارِ الْبَائِعِ، فَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْقَضِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي.
وَالرَّأْيُ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى النَّقِيضِ مِمَّا
__________
(1) البدائع 5 / 264 - 265.
(2) المجموع 9 / 230، نهاية المحتاج 4 / 20، مغني المحتاج 2 / 48.
سَبَقَ، فَالْمِلْكُ فِي الْعَقْدِ الْمُقْتَرِنِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ يَنْتَقِل إِلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَمْ لأَِحَدِهِمَا أَيًّا كَانَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ الْخِيَارِ كَالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ (1) .
ب - كَوْنُ الْخِيَارِ لأَِحَدِهِمَا:
30 - تَخْتَلِفُ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ الْمَالِكِ لِمَحَل الْخِيَارِ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الآْخَرِ، وَتَنْحَصِرُ الآْرَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: بَقَاءُ الْمِلْكِ، انْتِقَالُهُ، التَّفْصِيل بِحَسَبِ صَاحِبِ الْخِيَارِ.
1 - ذَهَبَ الرَّأْيُ الأَْوَّل إِلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لِصَاحِبِ الْمَحَل كَمَا كَانَ قَبْل حُصُول الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لأَِحَدِهِمَا. بِهَذَا قَال مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَالأَْوْزَاعِيِّ. وَقَدْ عَبَّرَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ لاَ مُنْعَقِدٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَمْ يَنْتَقِل، فَالإِْمْضَاءُ اللاَّحِقُ بَعْدَئِذٍ نَاقِلٌ لِلْمِلْكِ لاَ مُقَرِّرٌ (2) .
فَقَدِ اعْتَبَرَ هَؤُلاَءِ يَدَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَحَل الْخِيَارِ يَدَ أَمَانَةٍ، وَأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمَالِكُ (وَالضَّامِنُ أَيْضًا) وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِيَارُ
__________
(1) كشاف القناع 3 / 206.
(2) بداية المجتهد 2 / 211، الدردير على خليل بحاشية الدسوقي 3 / 103، الخرشي 4 / 30.
الصفحة 95