كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

مَالٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَتُضْبَطُ صِفَاتُهُ كَالأَْثْمَانِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالثِّيَابِ (1) ".
9 - وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ لِلْقِيَمِيِّ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ، كَالْجَوَاهِرِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَعَقِيقٍ وَفَيْرُوزٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ وَتَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ وَلاَ يَقْبَل الاِنْضِبَاطَ بِالأَْوْصَافِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ كَوْنِ هَذَا الْمَال دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ صَحَّ انْشِغَال ذِمَّةِ الْمُلْتَزِمِ بِذَلِكَ الْمَال لَكَانَ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ، وَلَوَجَبَ عِنْدَئِذٍ أَنْ تَفْرُغَ الذِّمَّةُ وَيُوَفَّى الاِلْتِزَامُ بِأَدَاءِ أَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ أَمْثَالِهِ، وَلاَ مِثْل لَهُ.
وَعَلَى هَذَا شَرَطُوا فِي صِحَّةِ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ وَالاِسْتِصْنَاعِ أَنْ يَكُونَ الْمَال الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ مُنْضَبِطًا بِالصِّفَةِ بِالْقُوَّةِ وَالْفِعْل؛ لأَِنَّ مَا لاَ تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ تَخْتَلِفُ آحَادُهُ كَثِيرًا، وَذَلِكَ يُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ، وَعَدَمُهَا مَطْلُوبٌ شَرْعًا (2) .
__________
(1) المهذب 1 / 310
(2) رد المحتار 4 / 171، 203، كشاف القناع 3 / 276، 278، شرح منتهى الإرادات 2 / 214، 225، شرح الخرشي 5 / 212، 229، الزرقاني على خليل 5 / 213، القوانين الفقهية ص 295، 315، المهذب 1 / 310، التنبيه للشيرازي (ط. مصطفى الحلبي) ص 68، 70، نهاية المحتاج 2 / 194، 222، أسنى المطالب 2 / 141، اختلاف الفقهاء للطبري ص 101، 114، وانظر م 381 من مجلة الأحكام العدلية وم 552 من مرشد الحيران
وَقَدِ اسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذَا الأَْصْل دَيْنَ الْمَهْرِ، فَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ قِيَمِيًّا مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُول الصِّفَةِ، وَجَعَل مَالِكٌ لَهَا الْوَسَطَ مِمَّا سُمِّيَ إِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي أَدَاءِ الْوَسَطِ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لاَ تَضُرُّ، إِذِ الْمَال غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الزَّوَاجِ، فَيُتَسَامَحُ فِيهِ بِمَا لاَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الأُْخْرَى؛ لأَِنَّ الْمُعَاوَضَاتِ تُبْنَى عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُكَايَسَةِ، فَكَانَ الْجَهْل بِأَوْصَافِ الْعِوَضِ فِيهَا مُخِلًّا بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، بِخِلاَفِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُمَاثِلاً، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ الشَّارِعُ نِحْلَةً فَهُوَ كَالْهِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يَضُرُّ الْجَهْل بِهِ كَمَا لاَ يَضُرُّ بِالْهِبَةِ (1) .
(وَالْقَوْل الثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ الأَْصَحِّ، أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ (2) . وَفِيمَا يَكُونُ بِهِ الْوَفَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَجْهَانِ:
__________
(1) رد المحتار 2 / 347، الكافي لابن عبد البر 1 / 453، بداية المجتهد 2 / 19، المبسوط 5 / 67 - 68
(2) فتح العزيز 9 / 345، وما بعدها، 363 وما بعدها، المهذب 1 / 310، 311، نهاية المحتاج 4 / 222

الصفحة 104