كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

الْتِزَامٍ أَوْ مَسْئُولِيَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُنْشِئُ ذَلِكَ وَيُلْزِمُ بِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ لاَ بُدَّ لِثُبُوتِ أَيِّ دَيْنٍ مِنْ سَبَبٍ مُوجِبٍ يَقْتَضِيهِ. . وَالْبَاحِثُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ يَجِدُ أَنَّ أَسْبَابَ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَدِيدَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَصْرُهَا فِي تِسْعَةِ أَسْبَابٍ:
23 - أَحَدُهَا: الاِلْتِزَامُ بِالْمَال: سَوَاءٌ أَكَانَ فِي عَقْدٍ يَتِمُّ بَيْنَ طَرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، وَالإِْجَارَةِ، وَالزَّوَاجِ، وَالطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ بِالْمَال، وَالاِسْتِصْنَاعِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ فِي الْتِزَامٍ فَرْدِيٍّ يَتِمُّ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ كَنَذْرِ الْمَال عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
فَفِي الْقَرْضِ مَثَلاً يَلْتَزِمُ الْمُقْتَرِضُ أَنْ يَرُدَّ لِلْمُقْرِضِ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ، أَوْ قَدْرًا مِنْ أَمْوَالٍ
__________
(1) حيث إن المالكية يرون أن كل التزام فردي بهبة، أو صدقة، أو حبس، أو جائزة، أو قرض، على وجه الصلة وطلب البر والمكافأة وما أشبه ذلك من الوجوه المعروفة بين الناس في احتسابهم وحسن معاشرتهم، لازم لصاحبه، لا يقبل منه الرجوع عنه، ولصاحب الحق فيه إذا كان معي " للحطاب 1 / 219 (مطبوع ضمن فتح العلي المالك لعليش ط الحلبي 1958 م) : " من التزم الإنفاق على شخص مدة معينة أو مدة حياة المنفق أو المنفق عليه، أو حتى يقدم زيد، أو إلى أجل مجهول لزمه ما لم يفلس أو يمت، لأن في كلام ابن رشد أن المعروف - على مذهب مالك وأصحابه - لازم لمن أوجبه على نفسه ما لم يفلس أو يمت
مِثْلِيَّةٍ يَكُونُ قَدِ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ، وَثَبَتَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.
عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لاَ تَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِهَا إِلاَّ بِقَبْضِ الْبَدَل الْمُقَابِل لَهَا، إِذْ بِهِ يَحْصُل الأَْمْنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ إِلاَّ دَيْنًا وَاحِدًا وَهُوَ دَيْنُ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَزِمًا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ لاِحْتِمَال طُرُوءِ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَسُقُوطِ الدَّيْنِ.
وَتَعْلِيل ذَلِكَ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّيْنِ فِي أَيِّ عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يَعْنِي الأَْمْنَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حُصُول الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ جِنْسِهِ وَامْتِنَاعِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ. . وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِدَيْنِ السَّلَمِ دُونَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ؛ لِجَوَازِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ جِنْسِهَا (1) .
24 - وَالثَّانِي: الْعَمَل غَيْرُ الْمَشْرُوعِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَى الْفَاعِل: كَالْقَتْل الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلأَْرْشِ، وَإِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ، وَكَتَعَدِّي يَدِ الأَْمَانَةِ أَوْ تَفْرِيطِهَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا بِحَوْزَتِهِ مِنْ أَمْوَالٍ، كَتَعَمُّدِ الأَْجِيرِ الْخَاصِّ إِتْلاَفَ الأَْعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ إِهْمَالِهِ فِي
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 326، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 350

الصفحة 110