كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
وَلَوْ كَانَ كَاسِدًا - لأَِنَّ الثَّمَنِيَّةَ زِيَادَةٌ فِيهِ، حَيْثُ إِنَّ صِحَّةَ الْقَرْضِ لاَ تَعْتَمِدُ الثَّمَنِيَّةَ، بَل تَعْتَمِدُ الْمِثْلِيَّةَ، وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلاً، وَلِهَذَا صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا، وَلَوْلاَ أَنَّهُ إِعَارَةٌ فِي الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ، فَصَارَ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرَّوَاجُ كَرَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْقَرْضُ كَالْغَصْبِ إِذْ هُوَ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ (1) ".
وَالْقَوْل الثَّانِي: لأَِبِي يُوسُفَ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ رَدُّ الْمِثْل بَعْدَمَا كَسَدَ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ رَدُّ قِيمَةِ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ - يَوْمَ التَّعَامُل - مِنْ نَقْدٍ آخَرَ (2) . وَبِهَذَا أَخَذَتِ الْمَادَّةُ:
__________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 144
(2) الفتاوى الهندية 3 / 225، تبيين الحقائق 4 / 142، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3 / 94، كشاف القناع 3 / 301، شرح منتهى الإرادات 2 / 226، الشرح الكبير على المقنع 4 / 358، حاشية الرهوني 5 / 102، حاشية المدني 5 / 118. وقد حكى صاحب " الذخيرة البرهانية " أن هذا القول هو المفتى به في مذهب الحنفية، وذلك لأنه أيسر؛ حيث إن القيمة يوم التعامل تكون معلومة، بخلاف يوم الكساد؛ فإنها لا تعرف إلا بحرج. (انظر الفتاوى الهندية 3 / 225، تبيين الحقائق 4 / 144، الشلبي على تبيين الحقائق 4 / 142، تنبيه الرقود 2 / 59) .
" 805 " مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: " إِذَا اسْتَقْرَضَ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنَ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالنُّقُودِ غَالِبَةِ الْغِشِّ (1) ، فَكَسَدَتْ وَبَطَل التَّعَامُل بِهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا لاَ يَوْمَ رَدِّهَا ".
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
أَوَّلاً: بِأَنَّ إِيقَافَ التَّعَامُل بِهَا مِنْ قِبَل الْجِهَةِ الْمُصْدِرَةِ لَهَا مَنْعٌ لِنَفَاقِهَا وَإِبْطَالٌ لِمَالِيَّتِهَا، إِذْ هِيَ أَثْمَانٌ بِالاِصْطِلاَحِ لاَ بِالْخِلْقَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ إِتْلاَفًا لَهَا، فَيَجِبُ بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ. ثَانِيًا: وَلأَِنَّ الدَّائِنَ قَدْ دَفَعَ شَيْئًا مُنْتَفَعًا بِهِ لأَِخْذِ عِوَضٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَلاَ يُظْلَمُ بِإِعْطَائِهِ مَا لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَامُل؛ لأَِنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ رَدُّ قِيمَةِ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّعَامُل مِنَ النَّقْدِ الآْخَرِ وَقْتَ الْكَسَادِ، أَيْ فِي آخِرِ نَفَاقِهَا، وَهُوَ آخِرُ مَا تَعَامَل النَّاسُ بِهَا؛ لأَِنَّهُ وَقْتُ الاِنْتِقَال إِلَى الْقِيمَةِ، إِذْ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهَا مَا دَامَتْ نَافِقَةً، فَإِذَا كَسَدَتِ انْتَقَل إِلَى قِيمَتِهَا حِينَئِذٍ (2) .
__________
(1) المراد بالنقود غالبة الغش: العملة التي يكون غالبها من معدن غير الذهب والفضة
(2) الشرح الكبير على المقنع 4 / 358، الفتاوى الهندية 3 / 225، الزيلعي 4 / 143، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 4 / 142، تنبيه الرقود 2 / 59، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3 / 94 وقد جاء في كتب الحنفية المشار إليها نقلا عن المحيط والتيمة والحقائق أن الفتوى في المذهب على قول الإمام محمد بن الحسن رفقًا بالمدينين؛ حيث إن القيمة في آخر النفاق تكون عادة أقل منها يوم التعامل
الصفحة 135