كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
الْمَيِّتِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْدَاءَ عَنِ الْحَيِّ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ لِلاِفْتِقَارِ فِي الأَْدَاءِ إِلَى النِّيَّةِ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِدُونِ إِذْنِهِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَلاَ يُشْتَرَطُ الإِْذْنُ إِذْ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ فَلاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا حَال الْحَيَاةِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (1) وَقَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (2) .
قَال الْكَاسَانِيُّ: أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ الْمَمَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقَضَاءِ الْعِبَادَةِ نَفْسِهَا عَنِ الْمَيِّتِ. أَمَّا فِدْيَةُ الصِّيَامِ وَكَفَّارَةُ الإِْفْطَارِ فَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِهَا عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يُوصِ. أَمَّا إِذَا أَوْصَى فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فَتُؤَدَّى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (3) . وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ
__________
(1) سورة النجم / 39.
(2) الأثر عن ابن عباس: " لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم. . . " أخرجه النسائي في الكبرى 2 / 314 - ط المكتبة القيمة، وصححه ابن حجر في التلخيص (2 / 209 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(3) البدائع 2 / 41، 53، 103، 118، 212، 5 / 96، وابن عابدين 1 / 491 - 493، والزيلعي 6 / 230، ومنح الجليل 1 / 375، 383، 404، والحطاب 2 / 543 - 544، والفروق 2 / 205 و 3 / 188.
يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة) .
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلاَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنِ الْمَيِّتِ عَمَّا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ صَلاَةٍ فَاتَتْهُ وَمَاتَ دُونَ قَضَائِهَا. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَفِي الْجَدِيدِ لاَ يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُل يَوْمٍ فَاتَهُ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ وَلِيُّهُ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (1) ، وَهَذَا هُوَ الأَْظْهَرُ، قَال السُّبْكِيُّ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَالْمُفْتَى بِهِ، وَالْقَوْلاَنِ يَجْرِيَانِ فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ إِذَا لَمْ يُؤَدَّ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَصَلُوا بَيْنَ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ مِنْ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَبَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَذْرِ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ. فَقَالُوا: مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ مَفْرُوضَةٌ لَمْ تُؤَدَّ، أَوْ صِيَامُ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَدَّ، فَلاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ مِنْ صَلاَةٍ وَصَوْمٍ وَتَمَكَّنَ مِنَ الأَْدَاءِ وَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ سُنَّ لِوَلِيِّهِ فِعْل النَّذْرِ
__________
(1) حديث: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 192 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 803 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
الصفحة 146