كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
مِنَ الأَْعْمَال الصَّالِحَةِ يَعُمُّ الأَْوْقَاتَ وَالأَْحْوَال مِثْلَهُ. (1)
هَذَا وَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْضُ مَا وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ مِنَ الْفَضْل نَوْعًا نَوْعًا.
مَا يَكُونُ بِهِ الذِّكْرُ:
4 - الذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَبِالْقَلْبِ. وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ أَنْ يَتَحَرَّكَ بِهِ اللِّسَانُ وَيُسْمِعَ نَفْسَهُ عَلَى الأَْقَل إِنْ كَانَ ذَا سَمْعٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَغَطٌ يَمْنَعُ السَّمَاعَ.
وَذِكْرُ اللِّسَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ يَتَأَدَّى بِهِ الذِّكْرُ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا، وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدُ إِمْرَارِ الذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْقَلْبِ.
قَال الْفُقَهَاءُ: وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ أَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَال كَذَا فَلَهُ مِنَ الأَْجْرِ كَذَا. فَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ إِلاَّ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْقَوْل.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ وَبِالْقَلْبِ جَمِيعًا أَفْضَل مِنَ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ دُونَ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ أَيْ مَعَ عَدَمِ إِجْرَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ تَسْبِيحًا كَانَ أَوْ تَهْلِيلاً أَوْ غَيْرَهُمَا، وَأَفْضَل مِنْ إِمْرَارِ الذِّكْرِ عَلَى الْقَلْبِ دُونَ نُطْقٍ بِاللِّسَانِ. أَمَّا فِي حَال انْفِرَادِ أَحَدِ الذِّكْرَيْنِ عَنِ الآْخَرِ فَقَدِ اخْتُلِفَ أَيُّهُمَا أَفْضَل.
__________
(1) نزل الأبرار ص 24 - 25.
فَقِيل: ذِكْرُ الْقَلْبِ أَفْضَل، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ، وَقِيل: لاَ ثَوَابَ فِي الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَحْدَهُ نَقَلَهُ الْهَيْتَمِيُّ عَنْ عِيَاضٍ وَالْبُلْقِينِيِّ، وَقِيل: ذِكْرُ اللِّسَانِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْمَعْنَى يَحْصُل بِهِ الثَّوَابُ وَهُوَ أَفْضَل مِنَ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَحْدَهُ؛ لأَِنَّ فِي ذِكْرِ اللِّسَانِ امْتِثَالاً لأَِمْرِ الشَّرْعِ مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ؛ لأَِنَّ مَا تَعَبَّدَنَا بِهِ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، بِخِلاَفِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَحْدَهُ فَلاَ يَحْصُل بِهِ الاِمْتِثَال.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ بِالْمَعْنَى الْمُبَيَّنِ، أَمَّا الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ بِمَعْنَى تَذَكُّرِ عَظَمَةِ اللَّهِ عِنْدَ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَإِرَادَةِ الْفِعْل الَّذِي فِيهِ رِضَاهُ فَيَفْعَلُهُ، أَوِ الَّذِي فِيهِ سُخْطُهُ فَيَتْرُكُهُ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِهِ وَآيَاتِهِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَاوَاتِهِ وَمَصْنُوعَاتِهِ فَقَال عِيَاضٌ: هَذَا النَّوْعُ لاَ يُقَارِبُهُ ذِكْرُ اللِّسَانِ، فَكَيْفَ يَفْضُلُهُ. (1) وَفِي الْحَدِيثِ خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ (2) .
__________
(1) الفتوحات الربانية 1 / 106 - 108، ونزل الأبرار ص 11، ومدارج السالكين 2 / 431، ومختصر الفتاوى المصرية ص 44 مطبعة أنصار السنة المحمدية.
(2) حديث: " خير الذكر الخفي ". أخرجه أحمد (1 / 172 - ط الميمنية) من حديث سعد بن أبي وقاص، وفي إسناده انقطاع بين سعد الراوي عنه وهو محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة كما في ترجمته من التهذيب لابن حجر (9 / 301 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
الصفحة 226
342