كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَرْفُوعُ: أَنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ (1) وَجُمِعَ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا: أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ لِدُخُول مَعَانِي الْكَلِمَاتِ الأَْرْبَعِ تَحْتَهَا إِمَّا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالاِسْتِلْزَامِ فَقَدْ صَرَّحَتْ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ، وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهَا تَنْزِيهَهُ تَعَالَى عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ انْدَرَجَ فِيهِ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِذَا كَانَ كُل فَضْلٍ وَإِفْضَالٍ مِنْهُ تَعَالَى فَلاَ شَيْءَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَأَمَّا أَفْضَلِيَّةُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَلِذِكْرِ الْوَحْدَانِيَّةِ صَرِيحًا (2) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَل مِنَ الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (3) ؛ لِحَدِيثِ مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ (4) .
أَفْضَل الأَْذْكَارِ مِنْ حَيْثُ الاِشْتِغَال بِهَا:
21 - مَا تَقَدَّمَ هُوَ الأَْفْضَلِيَّةُ فِي الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ: أَفْضَلُهُ الاِشْتِغَال بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَهِيَ أَفْضَل مِنَ الاِشْتِغَال بِالتَّهْلِيل وَالتَّسْبِيحِ الْمُطْلَقِ. ثُمَّ الْكَلِمَاتُ الأَْرْبَعُ، ثُمَّ سَائِرُ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ، قَال
__________
(1) حديث: " أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده ". أخرجه مسلم (4 / 2094 - ط الحلبي) .
(2) الفتوحات الربانية 1 / 181، وفتح الباري 11 / 207.
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية 10 / 427.
(4) حديث: " من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته. . . " تقدم تخريجه في (ف 1) .
النَّوَوِيُّ: أَمَّا الْمَأْثُورُ فِي وَقْتٍ أَوْ نَحْوِهِ - أَيْ لِسَبَبٍ - فَالاِشْتِغَال بِهِ - أَيْ فِي الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ السَّبَبِ - أَفْضَل. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الاِشْتِغَال بِالذِّكْرِ الْمُؤَقَّتِ فِي وَقْتِهِ، وَالْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ عِنْدَ سَبَبِهِ أَفْضَل مِنَ الاِشْتِغَال بِسَائِرِ الْمَأْثُورَاتِ، حَتَّى مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِمَا وَحَتَّى مِنَ الاِشْتِغَال بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. قَال ابْنُ عَلاَّنَ: مَا وَرَدَ مِنَ الذِّكْرِ مُخْتَصًّا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَالٍ كَأَذْكَارِ الطَّوَافِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَحَال النَّوْمِ فَالاِشْتِغَال بِهِ أَفْضَل مِنَ الاِشْتِغَال بِالتِّلاَوَةِ (1) . قَال عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: سَأَلْتُ الأَْوْزَاعِيَّ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ أَمِ الذِّكْرُ؟ فَقَال: سَل أَبَا مُحَمَّدٍ، يَعْنِي سَعِيدًا، أَيِ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَال: بَل الْقُرْآنُ. فَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَعْدِل الْقُرْآنَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَ هَدْيُ مَنْ سَلَفَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الْغُرُوبِ (2) .
قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَهَكَذَا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الأَْذْكَارِ فِي الأَْوْقَاتِ وَعَقِيبَ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الاِشْتِغَال بِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ إِرْشَادَهُ إِلَيْهِ يَدُل عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهِ (3) . وَصَرَّحَ بِمِثْل ذَلِكَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي قَوَاعِدِهِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي فَتَاوِيهِ (4) . وَفِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى
__________
(1) الأذكار النووية والفتوحات الربانية 3 / 227، 4 / 388.
(2) التذكار في أفضل الأذكار ص 43.
(3) عدة الحصن الحصين ص 33.
(4) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2 / 171، ومجموع فتاوى ابن تيمية 10 / 427.
الصفحة 237
342