كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

الزِّيَادَةُ فِي الذِّكْرِ عَلَى مَا وَرَدَ:
24 - الزِّيَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْمُرَتَّبِ شَرْعًا عَلَى سَبَبٍ، الأَْصْل فِيهِ الْجَوَازُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَتَقَيَّدُ بِقُيُودٍ تُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ الْمَعْنَى لاَ يَسْتَلْزِمُ نَقْصًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَلاَّ يَكُونَ مِمَّا عُلِمَ أَنَّ الشَّارِعَ أَرَادَ الْمُحَافَظَةَ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ، فَلاَ يُزَادُ عَلَى أَلْفَاظِ الأَْذَانِ وَأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَا وَرَدَ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَلِيقُ.
وَقَدْ نَقَل ابْنُ عَلاَّنَ أَنَّ زِيَادَاتِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَنَحْوِهِ مِنَ الأَْذْكَارِ يَكُونُ الإِْتْيَانُ بِهَا أَوْلَى، وَفَارَقَ التَّشَهُّدَ وَغَيْرَهُ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ فَهِمُوا أَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى لَفْظِهِ فَلِذَا لَمْ يَزِيدُوا فِيهِ، وَرَأَوْا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ خِلاَفُ الأَْوْلَى بِخِلاَفِ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ لِلدُّعَاءِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي الاِسْتِجَابَةِ فَتَوَسَّعُوا فِي الدُّعَاءِ فِيهِ (1) .
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَجِّ بِتَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَل
__________
(1) الفتوحات الربانية 5 / 109، مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية 92.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَال ابْنُ عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ يُهِل بِهَذَا (أَيْ بِتَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَيَزِيدُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (1) إِلَخْ.
قَال ابْنُ حَجَرٍ: قَال الطَّحَاوِيُّ: قَال قَوْمٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّلْبِيَةِ مَا أَحَبَّ مِنَ الذِّكْرِ لِلَّهِ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ. وَقَال آخَرُونَ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، كَمَا عَلَّمَهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلَّمَهُ. اهـ. ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْل مَنْ قَال: إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى التَّلْبِيَةِ هُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ وَبِهِ صَرَّحَ أَشْهَبُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةَ. قَال: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَحَكَى أَهْل الْعِرَاقِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَرْفُوعِ، وَغَلِطُوا، بَل لاَ يُكْرَهُ وَلاَ يُسْتَحَبُّ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ إِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلاَ بَأْسَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ عَمَّا وَرَدَ فَحَسَنٌ. وَحُكِيَ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَوْلُهُ: " لاَ ضِيقَ عَلَى أَحَدٍ فِي قَوْل مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، غَيْرَ أَنَّ الاِخْتِيَارَ عِنْدِي أَنْ يُفْرِدَ مَا رُوِيَ
__________
(1) حديث ابن عمر في التلبية والزيادة فيها أخرجه مسلم (2 / 841، 842 - ط الحلبي) .

الصفحة 240