كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

الأَْفْضَل أَلاَّ تُوجَدَ الأَْذْكَارُ إِلاَّ فِي أَكْمَل الأَْحْوَال، كَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثَيْنِ، وَطَهَارَةِ الْفَمِ مِنَ الْخَبَثِ (1) .
وَلَمْ يَقُولُوا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُل أَحْيَانِهِ (2) ". وَ " كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ قَال: غُفْرَانَكَ (3) "، وَ " كَانَ يَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَْذَى وَعَافَانِي " (4)
. فَهَذَا ذِكْرٌ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (5) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا أَنَّ الذَّاكِرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا. وَمِنْ ذَلِكَ الأَْذَانُ وَالإِْقَامَةُ، فَإِنْ أَذَّنَ بِلاَ وُضُوءٍ جَازَ بِلاَ كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ، وَإِنْ أَقَامَ بِلاَ وُضُوءٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ
__________
(1) الفتوحات الربانية 1 / 396.
(2) حديث: " كان يذكر الله على كل أحيانه ". أخرجه مسلم (1 / 282 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(3) حديث: " كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك ". أخرجه الترمذي (1 / 12 - ط الحلبي) من حديث عائشة، وقال: " حديث حسن غريب ".
(4) حديث: " الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ". أخرجه ابن ماجه (1 / 110 - ط الحلبي) من حديث أنس، وقال البوصيري: " هذا حديث ضعيف، ولا يصح فيه بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، كذا في " مصباح الزجاجة " (ص 92 - ط دار الجنان) .
(5) الفتوحات الربانية 1 / 127.
الْفَصْل بَيْنَ الإِْقَامَةِ وَالصَّلاَةِ بِالاِشْتِغَال بِأَعْمَال الْوُضُوءِ، وَالإِْقَامَةُ شُرِعَتْ مُتَّصِلَةً (1) .
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ التَّطَهُّرِ لِلذِّكْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالأَْذَانِ (2) ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الْوُضُوءُ لِمُطْلَقِ الذِّكْرِ مَنْدُوبٌ وَلَوْ لِلْجُنُبِ، وَتَرْكُهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى (3) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: إِنْ كَانَ فِي فَمِهِ نَجَاسَةٌ أَزَالَهَا بِالْمَاءِ، فَلَوْ ذَكَرَ وَلَمْ يَغْسِلْهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلاَ يَحْرُمُ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَفَمُهُ نَجَسٌ كُرِهَ، وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ لأَِصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا لاَ يَحْرُمُ (4) .
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: تَنْظِيفُ الْفَمِ عِنْدَ الذِّكْرِ بِالسِّوَاكِ أَدَبٌ حَسَنٌ؛ لأَِنَّهُ الْمَحَل الَّذِي يَكُونُ الذِّكْرُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ صَحَّ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ تَيَمَّمَ مِنْ جِدَارِ الْحَائِطِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ (5) ، فَهَذَا فِي مُجَرَّدِ رَدِّ السَّلاَمِ فَذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْلَى (6) .
وَيُسْتَثْنَى مِنَ الأَْحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْقُرْآنُ،
__________
(1) الهداية وفتح القدير 1 / 176، 414.
(2) فتح القدير 1 / 414.
(3) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1 / 117، 195.
(4) الفتوحات الربانية 1 / 143.
(5) حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه بعض الصحابة تيمم ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 444 - ط السلفية) من حديث أبي جهم بن الحارث.
(6) شرح عدة الحصن الحصين ص 32، ونزل الأبرار ص 29.

الصفحة 243