كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
مَا وَرَدَ الْوَعْدُ بِهِ مِنَ الأَْذْكَارِ لِمَنْ جَاءَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ مَعْنَاهَا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ ثَوَابِهَا بِالتَّدَبُّرِ وَالْفَهْمِ. وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ صِدِّيق حَسَن خَان (1) .
أَمَّا ابْنُ عَلاَّنَ فَقَال: نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ فَهْمِ مَعْنَى التَّهْلِيلَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا صَاحِبُهَا فِي الإِْنْقَاذِ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، قَال: وَمِثْلُهَا بَاقِي الأَْذْكَارِ لاَ بُدَّ فِي حُصُول ثَوَابِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ (2) .
ي - الْحِرْصُ عَلَى الذِّكْرِ فِي الْعُزْلَةِ وَالاِنْفِرَادِ عَنِ النَّاسِ:
37 - الذِّكْرُ فِي حَال الْعُزْلَةِ عَنِ النَّاسِ وَالاِنْفِرَادِ عَنْهُمْ وَحَيْثُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى أَفْضَل مِنَ الذِّكْرِ فِي الْمَلأَِ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْحَالَيْنِ فَضْلُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍَ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍَ خَيْرٍ مِنْهُمْ (3) . قَال ابْنُ حَجَرٍ: " قَال بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الذِّكْرَ الْخَفِيَّ أَفْضَل مِنَ الذِّكْرِ الْجَهْرِيِّ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ بِثَوَابٍ لاَ أُطْلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا (4) . وَفِي
__________
(1) تحفة الذاكرين ص 32، والفتوحات الربانية 1 / 148، ونزل الأبرار ص 10.
(2) الفتوحات الربانية 1 / 148.
(3) الحديث تقدم تخريجه في ف / 3.
(4) فتح الباري 13 / 386.
الْحَدِيثِ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِل إِلاَّ ظِلُّهُ فَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاَءٍ (1) قَال ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ لأَِنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ (2) .
وَسَيَأْتِي حُكْمُ الاِجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ (ف 40) .
حُكْمُ إِخْفَاءِ الذِّكْرِ:
38 - لاَ يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِمَّا رَتَّبَ الشَّارِعُ الأَْجْرَ عَلَى الإِْتْيَانِ بِهِ مِنَ الأَْذْكَارِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِهِ الذَّاكِرُ وَيُسْمِعَ نَفْسَهُ إِذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مُنَاسَبَةٍ بِأَنَّ مَنْ قَال كَذَا كَانَ لَهُ مِنَ الأَْجْرِ كَذَا لاَ يَحْصُل لَهُ ذَلِكَ الأَْجْرُ إِلاَّ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى الْقَوْل، وَهُوَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالتَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمُجَرَّدِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِغَيْرِ صَوْتٍ أَصْلاً بَل لاَ بُدَّ مِنْ صَوْتٍ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ شَفَتَاهُ (3) .
__________
(1) حديث: " سبعة يظلهم الله في ظله ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 143 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة، ورواية: " ذكر الله في خلاء " أخرجها البخاري (الفتح 12 / 112) .
(2) فتح الباري 2 / 147، وعمدة القاري 5 / 179، 180.
(3) حديث: " أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت شفتاه ". أخرجه أحمد (2 / 540 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة، والحاكم (1 / 496 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي الدرداء، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
الصفحة 249
342