كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

تَرْغِيبٌ عَظِيمٌ فِي الاِجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخَصَائِصَ الأَْرْبَعَ فِي كُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يُثِيرُ رَغْبَةَ الرَّاغِبِينَ، وَيُقَوِّي عَزِيمَةَ الصَّالِحِينَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ (1) .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْل الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ فَيَقُول اللَّهُ عَزَّ وَجَل: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُول مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَال: هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى جَلِيسُهُمْ (2) .
وَمِنْ هُنَا مَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ فِي حِلَقِ الذِّكْرِ (3) . وَأَوْرَدَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَال: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِْسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. . إِلَى أَنْ قَال: أَتَانِي جِبْرِيل فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ (4) .
__________
(1) نزل الأبرار ص 17.
(2) حديث: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 208 - 209 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 2069 - 2070 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3) الفتوحات الربانية 1 / 89 - 106.
(4) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه " أخرجه مسلم (4 / 2075 - ط الحلبي) من حديث معاوية.
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الاِجْتِمَاعُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَسَنٌ إِذَا لَمْ يُتَّخَذْ سُنَّةً رَاتِبَةً وَلاَ اقْتَرَنَ بِهِ مُنْكَرٌ مِنْ بِدْعَةٍ (1) .
وَقَال عَطَاءٌ: " مَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ مَجَالِسُ الْحَلاَل وَالْحَرَامِ، أَيْ مَجَالِسُ الْعِلْمِ " وَلاَ يَعْنِي ذَلِكَ انْحِصَارَ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعَةِ بِهَا، بَل هِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عَطَاءٌ التَّنْصِيصَ عَلَى أَخَصِّ أَنْوَاعِهِ، وَلَيْسَتْ مَجَالِسَ الْبِدَعِ وَمَزَامِيرَ الشَّيْطَانِ (2) .
وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: لَوِ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ فَعَنْهُ أَنَّهُ قَال: وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَعَنْهُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُحْدَثٌ.
وَنَقَل عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا أَكْرَهُهُ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى غَيْرِ وَعْدٍ إِلاَّ أَنْ يُكْثِرُوا. قَال ابْنُ مَنْصُورٍ يَعْنِي يَتَّخِذُوهُ عَادَةً. وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْل وَقْتِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ فِي لَيَالٍ يُسَمُّونَهَا إِحْيَاءً. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ (3) .

الذِّكْرُ الْجَمَاعِيُّ:
41 - وَهُوَ مَا يَنْطِقُ بِهِ الذَّاكِرُونَ الْمُجْتَمِعُونَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ يُوَافِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَدْ جَعَلَهُ
__________
(1) مختصر الفتاوى المصرية ص 86 مطبعة المدني.
(2) الفتوحات الربانية 1 / 114.
(3) كشاف القناع 1 / 432.

الصفحة 252