كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

يَفْقَهْ حُدُودَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الأَْمْرَ كَانَ فِي الْخَوَارِجِ فَاشِيًا، كَمَا قَال أَبُو حَمْزَةَ الشَّارِي يَمْدَحُ أَصْحَابَهُ مِنَ الشُّرَاةِ " كُلَّمَا مَرُّوا بِآيَةِ خَوْفٍ شَهِقُوا خَوْفًا مِنَ النَّارِ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةِ رَحْمَةٍ شَهِقُوا شَوْقًا إِلَى الْجَنَّةِ (1) ".
وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَال: جِئْتُ أَبِي، فَقَال: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: وَجَدْتُ أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَيُرْعَدُ أَحَدُهُمْ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَقَعَدْتُ مَعَهُمْ. فَقَال: لاَ تَقْعُدْ بَعْدَهَا. فَرَآنِي كَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ فِيَّ. فَقَال: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَتْلُوَانِ الْقُرْآنَ، فَلاَ يُصِيبُهُمْ هَذَا، أَفَتَرَاهُمْ أَخْشَعَ لِلَّهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَرَأَيْتُ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَرَكْتُهُمْ (2) .

الرَّقْصُ وَالدَّوَرَانُ وَالطَّبْل وَالزَّمْرُ عِنْدَ الذِّكْرِ:
43 - يَزِيدُ بَعْضُ أَهْل الْبِدَعِ عِنْدَ الذِّكْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أُمُورًا أُخْرَى، قَال الشَّاطِبِيُّ: يَا لَيْتَهُمْ وَقَفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ الْمَذْمُومِ، وَلَكِنَّهُمْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الرَّقْصَ وَالزَّمْرَ وَالدَّوَرَانَ وَالضَّرْبَ عَلَى الصُّدُورِ، وَبَعْضُهُمْ يَضْرِبُ عَلَى رَأْسِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعَمَل الْمُضْحِكِ لِلْحَمْقَى، لِكَوْنِهِ مِنْ أَعْمَال الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، الْمُبْكِي
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير 10 / 36 (38) في حوادث سنة 130 هـ.
(2) المدخل لابن الحاج 2 / 6.
لِلْعُقَلاَءِ، رَحْمَةً لَهُمْ، إِذْ لَمْ يُتَّخَذْ مِثْل هَذَا طَرِيقًا إِلَى اللَّهِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ (1) .
وَقَال الآْجُرِّيُّ: يُقَال لِمَنْ فَعَل هَذَا: اعْلَمْ أَنَّ أَصْدَقَ النَّاسِ مَوْعِظَةً، وَأَنْصَحَ النَّاسِ لأُِمَّتِهِ، وَأَرَقَّ النَّاسِ قَلْبًا، وَخَيْرَ النَّاسِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ - أَيْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ عَاقِلٌ، مَا صَرَخُوا عِنْدَ مَوْعِظَةٍ، وَلاَ زَعَقُوا، وَلاَ رَقَصُوا، وَلاَ زَفَنُوا، وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ أَنْ يَفْعَلُوهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ بِدْعَةٌ وَبَاطِلٌ وَمُنْكَرٌ (2) . اهـ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي الْمُلْتَقَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ، فَمَا ظَنُّكَ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لاَ أَصْل لَهُ فِي الدِّينِ (3) .

قَسْوَةُ الْقَلْبِ عِنْدَ الذِّكْرِ:
44 - هَذِهِ حَالٌ مُقَابِلَةٌ لِحَال الْمُؤْمِنِينَ، وَمُشَابِهَةٌ لِحَال الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (4) فَكَانَ وَجَل الْقُلُوبِ عِنْدَ
__________
(1) الاعتصام للشاطبي 1 / 223 - 225، وتفسير القرطبي 15 / 249.
(2) الاعتصام للشاطبي 1 / 226.
(3) ابن عابدين 5 / 255.
(4) سورة الأنفال / 2.

الصفحة 255